قلت: إن هؤلاء العوام والطغاة في الأعصار المتأخرة - كما أشار العلامة محمد بشير السهسواني رحمه الله - هم الجذور الذي يعنيه من زعم أن جواز شد الرحال لزيارة القبر الشريف هو مذهب الجمهور، والذي نقله فضيلة الشيخ عطية موافقاً عليه أو مستدلا به [1] .
وأقول مرة أخرى: أليس مذهب ابن تيمية أقرب إلى مذهب خصومه مما نقل عن هؤلاء الأئمة من التابعين وتابعيهم؟.. الجواب بلا؛ ذلك لأن ابن تيمية لا يمنع زيارة القبر الشريف مطلقاً، بل يصرح بأن زيارته بدون شد رحل عمل صالح إذا لم يصل الأمر إلى المبالغة والغلو، كالإكثار من التردد عليه بحيث يصل ذلك بالإنسان إلى اتخاذه عيداً، أو يتجاوز ذلك إلى دعائه عليه السلام والإستغاثة به، ونحو ذلك من أمور العبادة التي صرفها لغير الله كفر وشرك.
أما هؤلاء الأئمة فكما ترى النقل عنهم يرون عدم مشروعية هذه الزيارة ونمها ليست عملا صالحا وينهون عنها، ويستدلون على ذلك بالأحاديث [2] .
فلينظر المنصف، ولتأمل طالب الحق، وليتراجع المندفع على غير هدى، وليعلم أن الدين ليس بالعواطف وليس بالتقليد الأعمى، وأن أي عالم مهما ارتفعت درجته وعلت منزلته لا ينبغي أن يعتبر قوله ومذهبه واختياره أموراً مسلمة غير قابلة للمناقشة والتمحيص.
سؤال موجه يرجى الجواب عليه:
وهذا سؤال نوجهه إلى فضيلة الشيخ نرجوه الجواب عليه وهو:
إذا كان ابن حجر قال: يرى الجمهور بالإجماع جواز شد الرحال ... الخ، فبصرف النظر عما تقدم من مناقشتنا لهذه الدعوى أصلا وشروعاً أقول الآتي: مادام أن القضية قضية جواز - أعني إباحة فقط - فما فائدة هذه الزيارة؟.. أتريدون من الإنسان أن يسافر من أقصى الأرض إلى أدناها يجوب المسافات الشاسعة والفيافي البعيدة والقفار الموحشة، وينفق الأموال ويعرض نفسه للمخاطر؛ ليتوصل إلى أمر مباح غاية ما فيه أنه غير محرم ولا مكروه؟..