فأبو بكر رضي الله عنه فهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد مجرد اللفظ بقول (لا إله إلا الله) باللسان فحسب دون التزام بمعناها وأحكامها. وقد سئل شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله عن قتال التتار مع التمسك بالشهادتين، ولما زعموا من اتباع أصل الإسلام فقال [23] : "كل طائفة ممتنعة من التزام شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة من هؤلاء القوم أو غيرهم، فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا شرائعه، وإن كانوا ناطقين بالشهادتين وملتزمين بعض شرائعه، كما قاتل أبو بكر والصحابة رضي الله عنهم مانعي الزكاة وعلى ذلك اتفق العلماء بعدهم. فأيما طائفة ممتنعة عن بعض الصلوات المفروضات أو الصيام, أو الحج، أو عن التزام تحريم الدماء، أو الأموال أو الخمر, وأو الميسر أو نكاح ذوات المحارم، أو عن التزام جهاد الكفار أو ضرب الجزية على أهل الكتاب، أو غير ذلك من التزام واجبات الدين أو محرماته التي لا عذر لأحد في جحودها أو تركها، التي يكفر الواحد بجحودها فإن الطائفة الممتنعة تقاتل عليها وإن كانت مقرة بها. وهذا مما لا أعلم فيه خلافاً بين العلماء، وهؤلاء عند المحققين من العلماء ليسوا بمنزلة البغاة، بل هو خارجون على الإسلام بمنزلة مانعي الزكاة".

أما ما ورد في حديث "أمرت أن أقاتل الناس ... "من قوله: "وحسابهم على الله " [24] أي أن تبارك وتعالى هو الذي يتولى حساب هذا الذي يشهد بلسانه بهذه الشهادة، فإن كان صادقاً جازاه بجنات النعيم، وإن كان منافقاً عذبه العذاب الأليم.

وأما في الدنيا فالحكم على الظاهر، فمن أتي بالتوحيد، ولم يأت بما ينافيه ظاهراً والتزام شرائع الإسلام، وجب الكف عنه.

يخلص من ذلك أن الاقتصار على توحيد الربوبية من باب أولى لا أثر له في عصمة الدم والمال.

--------------------------------------------------------------------------------

طور بواسطة نورين ميديا © 2015