ولهذا جرت سنة القرآن الكريم على سوق آيات الربوبية، ثم الخلوص منها إلى الدعوة إلى توحيد الألوهية، فيجعل توحيد الربوبية مدخلاً لتوحيد العبادة للإله الذي لا يستحقها بأنواعها جميعاً سواه, كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ, الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [9] , وكما قال تعالى: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ..} [10] .

وأما توحيد الإلهية فهو متضمن لتوحيد الربوبية, بمعنى أن توحيد الربوبية داخل في ضمن توحيد الإلهية, فإن من عبد الله وحده ولم يشرك به شيئاً، لا بد أن يكون قد اعتقد أن الله هو ربه ومالكه الذي لا رب له غيره ولا مالك له سواه, فهو يعبده لاعتقاده أن أمره كله بيده، وأنه هو الذي يملك ضره ونفعه, وأن كل ما يُدْعى من دونه فهو لا يملك لعابديه ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشورا.

ولا ينفع توحيد الربوبية بدون توحيد الألوهية، كما لا ينفع توحيد الألوهية بدون توحيد الربوبية، فإن من عبد الله وحده ولم يشرك به شيئاً في عبادته، ولكنه اعتقد مع ذلك أن لغير الله تعالى تأثيراً في شيء, أو قدرة على ما لا يقدر عليه إلا الله، أو أنه يملك ضر العباد أو نفعهم ونحو ذلك، فهذا لا تصح عبادته؛ لأن أساسها يجب أن يكون الإيمان بالله ربّاً متفرداً بخصائص الربوبية جميعاً.

الإقرار بتوحيد الربوبية:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015