صاحب الإيمان الصحيح بالقدر يباشر الأسباب المباحة بيده، ويبذل معه في الأخذ بالأسباب ولا يعجز ولا يتواكل ولكنه يعتمد على الله وحده في نجاح تلك الأسباب المبذولة لا على الأسباب ذاتها، ولقد كان كذلك سيد المرسلين وإمام المتوكلين محمد عليه الصلاة والسلام، فقد اختفى عليه الصلاة والسلام في الغار يوم الهجرة، وهذا منه عليه الصلاة والسلام يعتبر تعليماً للأمة في الأخذ بالأسباب ومباشرتها, وقد فعل ذلك في سبيل التخلص من شر المشركين ولكنه لم يكن اعتماده في الخلاص على السبب نفسه، وإنما كان اعتماده على الله العلي القدير، قال تعالى: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا} (التوبة: 40) , وذلك يعني أن ثقته كانت في الله واطمئنانه وسكينته بسبب تلك المعية الخاصة، إلا أنه لم يهمل السبب بناء على الثقة والاعتماد الصادق على الله، وقد رأيناه عليه الصلاة والسلام مرة أخرى في معركة (بدر) يباشر السبب, إذ رأيناه ينظم الجيش كسبب مادي لا بد من مباشرته، ثم يرجع إلى العريش الذي ضرب له في أرض المعركة فيدعو الله ويلح في الدعاء ويكثر فيطلب النصر من الله، وكان عليه الصلاة والسلام يحث أصحابه على البيع والشراء، وكان من أصحابه المزارعون والتجار الذين يزاولون البيع والشراء.
هذا هو المفهوم الصحيح للتوكل. وهو ثمرة من ثمرات الإيمان الصحيح بالقدر {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (يس: 83) ..
خاتمة