إن الذي يتناول الحديث عن الشكر، لابد له أن يطرق جانب الصبر لأن النوائب التي أحوجت الإنسان إلى جهد الصبر، استجلبها هو لنفسه، حيث لم يجعلها الله أساس عمله مع عباده، وإنما بدأهم بالخير غير الممنون، قدم لأول خلقه جنته، وقال له: {إِنَّ لَكَ أَلا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى، وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى} ، فأبى إلا أن يهبط منها إلى أرض البلايا، فكان الاضطرار إلى الصبر، بعد عدم الشكر، وما قصدت حديثا شاملا عن الصبر، فهو موضوع ممتدٌ العُياب، يحتاج إلى كتاب، ولم أبلغ من العلم هذا المقام، وإنما آخذ منه ما أكمل به موضوعي وهذا حسبي، فالشكر في أساسه وهو الإيمان، لابد أن يقع في امتحان، {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} ، وهنا دور الصبر ولا شيء دونه، ليثبت في قلبه نور ربه، والشكر في النعم المسبغة المفرحة للنفس، معرضة للنقص والغِيرَ، وهنا دور الصبر ولا شيء دونه، ليهون عليه الابتئاس والأنكاد، وليذكره بأيام هنيئة شكر فيها، إلى أن يذهب الغيم ويزول الهم، وقد أشارت إليهما مجتمعين أكثرُ من آية، كقوله تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} ، فالصبر للشر، والشكر للخير، وقوله {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} فالضحك للسرور الذي له الشكر، والبكاء للحزن الذي له الصبر، إذ لا حيلة لتجنب الابتلاء بالبكاء بعدما قضاه الله في هذه الدنيا، بل إن ما يسيل الدموع فيها هو الأكثر، فلكي تقدر على حقيقتها حلاوة العسل، لابد من حموضة الخل، فلا يصح أن يختل وقتئذ ميزان الإيمان عنده، ليكسب الأجرين معا كما وعد الصادق صلى الله عليه وسلم، حيث جعل كل أمر الدنيا في حالين، سراء وضراء، والمؤمن في كليهما رابح، وقصر ذلك على المؤمن لأنه ثابت الحال عند تبادل الحالين عليه، فقد قال صلوات الله عليه وهو يعجب: "عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك