هل لنا أن نعرف، إن كان الحمد والشكر لفظين مترادفين لمعنى واحد؟ أم أن لكل منهما مدلولا خاصا به؟ ظاهر الأمر أن مفهومها واحد، وأن البعض ظن ذلك، أو قال به، وأنا لا أظن ذلك ولا أقول به، وإنما بينهما أكثر من فرق، وهذه حجتي إليكم، فالحمد لفظ ينتهي مدلوله عند مرحلتين، الاعتقاد بالقلب والإقرار بالقول، والشكر يشترك معه فيهما ويزيد الإلزام بالعمل، فمن الحمد قال الله سبحانه: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدا} {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} ، وعن الشكر قال: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ} ، فقد سأل الله تعالى أن يعينه على شكره بالعمل الصالح الذي يرضاه، بل فهمها من هو أفضل من سليمان. وهو محمد صلى الله عليه وسلم، وما ذكرت آية آل داود إلا أن فيها أمر تنفيذ الشكر مذكورٌ بلفظ العمل الصريح، وليس معاذ الله عدم تقدير مني لدرجات الأنبياء، فرسولنا صلوات الله عليه قال لربه: {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} ، أي كن من الشاكرين بأن تعبد، وليس فقط بأن تقول، وراح الرسول يفسرها بالعمل حتى تورمت قدماه، ولما طلبوا منه التهوين على نفسه، أجاب بنفس الاشتقاق الصادر إليه: "أفلا أكون عبدا شكورا؟ "، ولكن كان عندما يتكلم يبدأ قوله بكلمة الحمد، وما علم عنه صلى الله عليه وسلم أنه بدأ قوله بكلمة الشكر، فهو قد جعل الاعتراف بالحمد قولا، وجعل الاعتراف بالشكر يتعدى إلى العمل حتى تورمت قدماه {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً} ، فالعمل الصالح في الآية هو الشكر على الأكل من الطيبات، ولأن الحمد قول فقط أيضا، نقول في الصلاة سمع الله لمن حمده، ولا يجوز (رأى الله لمن حمد) ، لأن القول يسمع، والعمل يرى، ولهذا قال سبحانه لموسى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015