ثامنا: اللغة العربية نفسها كانت دعامة من دعائم الحضارة الإسلامية، وذلك لأنها أعرق اللغات منبتا، وأعزها جانبا، وأقواها جلادة، وأغزرها مادة، وأدقها تصويرا لما يقع تحت الحس، وتعبيرا عما يجول في النفس..

وعندها من المرونة على الاشتقاق، والقبول للتهذيب، وسعة صدرها للتعريب. ما يمكنها من الاستمرار في عطائها، نزل القرآن بلسانها فجعلها أكثر رسوخا، وأشد بنيانا، وأقوى استقرار. وبفضل القرآن، صارت العربية، أبعد اللغات مدىً، وأوسعها أفقا، وأقدرها على النهوض بتبعاتها الحضارية، عبر التطور الدائم الذي تعيشه الإنسانية. واستطاعت العربية في ظل عالمية الإسلام، أن تتسع لتحيط بأبعد انطلاقات الفكر، وترتقي حتى تصل أرقى اختلاجات النفس، وليس هناك معنى من المعاني، ولا فكر من الأفكار، ولا عاطفة من العواطف، ولا نظرية علمية من النظريات، تعجز اللغة العربية عن تصويره بالأحرف والكلمات، وتجسيده داخل الكلمات.

تاسعا: وبجانب هذا وذاك، كانت هناك مقومات تاريخية وبشرية، تتصل بالعصر الذي ظهر فيه الإسلام، ثم بالعنصر البشري، والتكوين السكاني. فأما عن العصر، فقد كان الإسلام ختام الأديان السماوية، وكان الإسلام بذلك رباطا لها من الناحية التاريخية، كما كان في الوقت ذاته تصحيحا لها لما أصابها من تخريف الفلاسفة والوثنيين..

ولقد كان هذا كله، قوة دفع للفكر الإسلامي، وما تصل به من حضارة، ومن هنا انطوى التفاعل الإسلامي على قوة غلبت كل التحديات الجاهلية، فانتشر طابع الحضارة الإسلامية على فعالية، لم يعرف لها مثيل في تاريخ الإنسانية..

طور بواسطة نورين ميديا © 2015