{أُمَّةً وَسَطا} في التصور والاعتقاد. لا تغلو في التجرد الروحي، ولا في الارتكاس المادي. إنما تتبع الفطرة الممثلة في روح متلبس بجسد. أو جسد تتلبس به روح. وتعطي لهذا الكيان المزدوج الطاقات، حقه المتكامل من كل زاد، وتعمل لترقية الحياة ورفعها، في الوقت الذي تعمل فيه على حفظ الحياة وامتدادها، وتطلق كل نشاط على عالم الأشواق، وعالم النوازع، بلا تفريط ولا إفراط: في قصد، وتناسق، واعتدال..
{أُمَّةً وَسَطا} في التفكير والشعور، لا تجمد على ما علمت، وتغلق منافذ التجربة والمعرفة. ولا تتبع كذلك كل ناعق، وتقلد تقليد القردة المضحك، إنما تستمسك بما لديها من تصورات ومناهج وأصول، ثم تنظر في كل نتاج الفكر والتجريب.. وشعارها الدائم: الحكمة ضالة المؤمن أني وجدها أخذها، في تثبت ويقين..
{أُمَّةً وَسَطا} في التنظيم، لا تدع الحياة كلها للمشاعر والضمائر، ولا تدعها كذلك للتشريع والتأديب. إنما ترفع ضمائر البشر بالتوجيه والتهذيب وتكفل نظام المجتمع بالتشريع والتأديب وتزاوج بين هذه وتلك. فلا تكل الناس إلى وسط السلطان، ولا تكلهم كذلك إلى وحي الوجدان، ولكن مزاج من هذا وذاك.
{أُمَّةً وَسَطا} في الارتباطات والعلاقات لا تلغي شخصية الفرد ومقوماته، ولا تتلاشى شخصيته في شخصية الجماعة أو الدولة، ولا تطلقه كذلك فرداً أثراً جشعاً، لا هم له إلا ذاته.. إنما تطلق من الدوافع والطاقات ما يؤدي إلى الحركة والنماء، وتطلق من النوازع والخصائص ما يحقق شخصية الفرد وكيانه، ثم تضع من الكوابح ما يقف دون الغلو، ومن المنشطات ما يثير رغبة الفرد في خدمة الجماعة، وتقرر من التكاليف والواجبات ما يجعل الفرد خادما للجماعة، والجماعة كافلة للفرد، في تناسق، واتساق..