وهو هنا يشتار من رياض القرآن، ويعتصر رحيق الآيات، ليأخذ من جماله زينة لأسلوبه ومن قوته دعماً لمعانيه، فما دام الأمر كذلك فليس هناك أحد أحق بدعم هذا الدين منكم أنتم الذين بعتم أنفسكم وأموالكم في سبيله لقاء الجنة، ثم أنتم الذين شيدتم أركانه، وأعليتم بنيانه، ومهدتم طريق نشره بين العالمين، ومما يعينكم على ذلك عزائمكم الماضية التي لو ركبتم بعضها لأغنتكم عن الخيول الضامرة، فلم هذا التقاعس والكفر مرفوع الراية ممتد الرواق مسنود الجانب طمعاً في القضاء على الإسلام بينما ((الهدى مستمسك بذناب عيش أغبر)) وهذا التعبير كناية عما يعانيه الإسلام الذي هو دين الهدى من اضطهاد وخذلان وانكسار جناح، ثم يبالغ في استثارتهم فيقول إن هذا الأمر قد استفز حتى العجماوات، فها هي الخيل تتحرق شوقا وتتحرك ضجراً في مرابطها ألا تجد سبيلا إلى ميدان الوغى لمقاتلة الرهط الكفار الذين أبطلوا سنن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وعطلوا المنابر من دعوة التوحيد ونكروا المعالم وغيروا المشاعر، وقتلوا المسلمين، لعله بذلك يبعث عزائمهم، ويثير حفائظهم، ويدفع إلى الجهاد كتائبهم، ثم يخاطبهم في لهجة استنكارية ونغمة توبيخية فيقول:
سيفاً ودين محمد لم ينصر
أيهزٌ منكم فارس في كفه
ولئن سلكت هذه الكلمة مسلك الشدة في الخطاب والعنف في العتاب فإن الكلمة الآتية قد نهجت نهجا تميز بالهدوء والرقة إلا أن قسوتها في رقتها، وعنفها في هدوئها، وأعني بهذا تلك القصيدة التي أرسلها لسان الدين بن الخطيب المتوفى سنة 776هـ إلى أهل المغرب في الاستنفار للجهاد وإغاثة الأندلس والتي يقول فيها:
فقد كاد نور الله بالكفر أن يطفأ
إخواننا لا تنسوا الفضل والعطفا
فقد بسط الدين الحنيف لكم كفا
وإذا بلغ الماء الزبا فتداركوا
فلهفا على الإسلام ما بينهم لهفا
تحكم في سكان أندلس العدا
فإن ظمئت لارى ألا الردى صرفا