وقد روى البيهقي والترمذي عن جابر بن عبد الله (رض) قوله: قرأ رسول الله سورة الرحمن حتى ختمها ثم قال: "مالي أراكم سكوتا؟ لَلْجن كانوا أحسن منكم ردا. ما قرأت عليهم هذه الآية {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان} إلا قالوا: ولا بشيء من آلائك أو نعمك ربنا نكذب. فلك الحمد".
أما قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} فهو كقوله سبحانه {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} . ومعلوم أنهما لا يخرجان إلا من أحد البحرين دون الآخر، وهي من طرائق العرب في إعطاء حكم الواحد للأكثر لعلاقة بينهما، وإنما الآية تقرير ملزم بإيصال الرسالة إلى الثقلين دون تحديد لجنسية الرسول من أي الفريقين. لأن هذه الهوية قد حددت في آيات أخرى كقوله عز اسمه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ..} ففي ذلك توكيد قاطع بأن الجن تابعون لرسل الإنس، وليس فيهم رسل من جنسهم وإنما فيهم منذرون يبلغون رسالات النبيين من بني آدم. ويستدل العلماء على ذلك من آية الأحقاف (29-32) حيث نرى المستمعين القرآن من الجن ينطلقون لفورهم إلى قومهم منذرين، فيربطون بين رسالة موسى ورسالة خاتم النبيين، ويعلنون ألاّ خلاص من عذاب الله إلا بإتباع هذا الداعي الجديد، المصدق لما سبقه من كتب الله، والهادي إلى الحق وإلى طريق مستقيم. وهو سياق لا يدع مجالا للريب بأن هؤلاء كانوا مؤمنين برسالة موسى عليه السلام ثم أقبلوا يكملون إيمانهم بإتباع محمد صلى الله عليه وسلم وبذلك يسقط كل جدل حول هذه القضية. إذ لا يبقى مناص عن الإقرار بشمول الرسالة الخاتمة للثقلين جميعا، وبذلك أيضا ينتفي الوهم بحصر رسالته صلى الله عليه وسلم في الناس وحدهم كما فهم الأستاذ من قوله تعالى {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً} لأن مساق هذا الجزء من الآية التاسعة والسبعين من سورة النساء صريح بأنه تفنيد لمغالطات المنافقين الذين لا