وهذا ـ ما يستفاد من الرواية المذكورة يدل على أنهم ـ أهل الكتاب ـ ليسوا عارفين الله، وهو مذهب حذاق المتكلمين في اليهود والنصارى، أنهم غير عارفين الله تعالى، وإن كانوا يعبدونه ويظهرون معرفته، لدلالة العقل عندهم على هذا، وإن كان العقل لا يمنع أن يعرف الله تعالى من كذب رسولا)) .
قال القاضي عياض رحمه الله: ((ما عرف الله تعالى من شبهه وجسمه من اليهود، أو أجاز عليه البداء أو أضاف إليه الولد منهم، أو أضاف إليه الصاحبة والولد، وأجاز الحلول عليه والانتقال والامتزاج من النصارى)) .
((أو وصفه بما لا يليق به، أو أضاف إليه الشريك والمعاند في خلقه من المجوس والوثنية، فمعبودهم الذي عبدوه ليس هو الله، وإن سموه به، إذ ليس موصوفا بصفات الإله الواجبة له)) .
((فإذن ما عرفوا الله سبحانه، فتحقق هذه النكتة، واعتمد عليها. وقد رأيت معناها لمتقدمي أشياخنا، وبها قطع الكلام أبو عمران الفارسي بين عامة أهل القيروان عند تنازعهم في هذه المسألة)) 1هـ[1] .
وفي القرآن الكريم آيات تنطق بهذا النحو من الفهم بصراحة لا يعتريها شيء من الخفاء أو اللبس، وآيات أخرى تطول بها أعناق طوائف اتَسموا بالإنصاف والبراءة من اللجاج والخلاف والإعتساف، وذهبوا بحظ وافر من الإيمان الواثق والإذعان المطمئن للإسلام وكم نجد اليوم غير أستاذ في جوانب من شرق الدنيا وغربها، قد خلعوا أردية التعصب للباطل، والتشبث بما تواصى به غيرهم لمجرد أنه مواريث أوائلهم، ونظروا في القرآن والسنة بتجرد وصدق في نشدان الحق، فانكشف لهم من خلال الإسلام عقيدة ومنهاج عبادة وسلوك ما صرحوا به ولم يلمحوا، وأعلوا حجته على مأثورهم من معتقدات لا تتماسك أمام النظر السليم والعقل القويم، وهكذا يشق الحق طريقه، ويشرق ويتألق، قاهرا الأوهام وسجف الظلام التي تكتنفه وتعترض بفعل الأقوام مساره.