إن هذا تقسيم تدريجي، محكم الحلقات في أصول التربية الأبوية الإسلامية، وضعه خير البرية ليساير أرقى النظريات التربوية الحديثة؛ فمعظم ما يقوم به الإنسان مرجعه إلى العادات، والعقوبات الوسيلة الناجحة لمعالجة الانحرافات، وكلما كانت في سن مبكرة أثمرت ثمرة طيبة، والتفرقة بين الآباء والأبناء في المضاجع منذ العاشرة يجعل لهم شخصية مستقلة، ولنستمع إلى قوله تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [8] ، هذا الاستئذان رمز لكل الآداب الأخرى، صغيرة كانت أو كبيرة، فيه توجيه حسن للسلوك الفردي، وتهيئة للسلوك الجماعي اللازم في مواجهة الحياة، وهو أعظم هبة يهبها الله ورسوله المؤمنين في تعليم تلك البراعم الصغيرة، وهو شرع يتوارثه الأخلاف عن الأسلاف، وتقليد فيه خير لكافة الأجيال، فيه يعرف الفرد ما له من حقوق وما عليه من واجبات، وهو الأدب الحسن الذي يسيطر على النوازع والرغبات، وبه تتحقق هذه الأمنية الغالية؛ {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [9] .
والذي يعلّم ولده فيحسن تعليمه، ويؤدبه فيحسن تأديبه فقد عمل في ولده عملا حسنا، {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً} [10] .