إن الجرجاني يهدف من هذا التقرير أن يثير انتباه القارئين.. إنه يضع أمام الأذهان قضية، يحيط بها مجموعة من التساؤلات، ليشرع بعد ذلك في الإجابة عليها.. لذلك نسمعه يقول:
"وإذا كان ذلك كذلك، فما جوابنا لخصم يقول: إذا كانت هذه الأمور وهذه الوجوه من التعلق التي هي محصول النظم موجودة على حقائقها وعلى الصحة، وكما ينبغي في منثور كلام العرب ومنظومه، ورأيناهم قد استعملوها وتصرفوا فيها، وكملوا بمعرفتها، وكانت حقائق لا تتبدل ولا يختلف بها الحال، إذ لا يكون للاسم بكونه خبرا لمبتدأ أو صفة لموصوف أو حالا لذي حال، أو فاعلا أو مفعولا لفعل في كلام حقيقة هي خلاف حقيقته في كلام آخر..
فما هذا الذي تجدد بالقرآن من عظيم المزية، وباهر الفضل، والعجيب من الوصف حتى أعجز الخلق قاطبة، وحتى قهر من البلغاء والفصحاء القوى والقدر، وقيد الخواطر، والفكر حتى خرست الشقاشق [5] ، وعدم نطق الناطق، وحتى لم يجر لسان، ولم يبِنْ بيان، ولم يساعد إمكان، ولم ينقدح لأحد منهم زند، ولم يمض له حد، وحتى أسال الوادي عليهم عجزا، وأخذ منافذ القول عليهم أخذا أيلزمنا أن نجيب هذا الخصم من سؤاله، نرده عن ضلاله وأن نطلب لدائه ونزيل الفساد عن رائه [6] .
وهنا يتصدى الجرجاني للرد على هذه التساؤلات جميعها، مستخدما الأسلوب المنطقي التحليلي، مستعرضا الكثير من الموضوعات اللغوية والبلاغية والمقارنات الأدبية، ليصل من وراء ذلك جميعه إلى غايته.. فنراه يتحدث عن المقصود من النظم، وأنه ليس تأليف الألفاظ، أو تنظيم مخارج الحروف.. وإنما النظم – في مفهومه – يخضع لقواعد وأصول يجب أن يراعها الناظم في نظمه، ليصل إلى قمة الجمال والروعة.