وأحب هنا أن أعطي مثالا واحدا عن مدى الربح الذي تجنيه الدعوة الإسلامية إن هي استطاعت أن تستفيد من عمل هؤلاء الدعاة الأفراد. لقد كان مالك بن نبي رحمه الله كاتبا كبيرا في بلده وفي فرنسا ولكنه لم يجد آذانا صاغية ولا مناخا متجاوبا إلا في دائرة ضيقة وصغيرة وذلك لأسباب ليس هناك مجال لدراستها، وهكذا ظلت أفكاره مجمدة طيلة ثلاثين سنة وعندما جاء لاجئا للقاهرة سنة 1956لم يلتفت إليه أحد وذات يوم وجد بعض الطلاب مقالة منشورة في مجلة روز اليوسف بقلم رئيس تحريرها تحت عنوان)) الاستعمار في نفوسنا ((يتحدث فيها صاحبها عن زيارة لكاتب جزائري له، لا يتقن العربية ويتكلم الفرنسية بطلاقة ولكنه يفكر بعمق ويتناول مشاكل أمته الإسلامية بعقلية جديدة وأسلوب علمي صارم. وأعطى الكاتب الصحفي صورة سليمة عن فكرته التي تتلخص في أن الاستعمار عرض لمرض داخلي وهو القابلية للاستعمار فللقضاء على العرض لابد من علاج المرض والقضاء عليه وهو القابلية للاستعمار وباختفائها يتخفى الاستعمار منطلقا في فلسفته تلك من قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} . لقد قرأ هذا المقال كثير من القراء ولكن طالبا واحدا أو طالبين هما اللذان تنبها إلى قيمة الرجل ورأيا أن الشباب الإسلامي في أشد الحاجة إليه، وبذلا جهدهما للاتصال به، وأخيرا إتصل به أحدهما وتلك كانت البداية، وهناك اتصل ببعض الطلاب المسلمين المغاربة واللبنانيين واللبيين والسعوديين والجزائريين وغيرهم من طلاب العالم الإسلامي ونتيجة لهذا الاتصال والإعجاب بالرجل قام بعض الطلاب المغاربة واللبنانيين والمصريين بطبع أول كتاب له بمصر بعد أن ترجموه للعربية وهو)) شروط النهضة ((ومن ثم انطلق نشاط مالك بن نبي رحمه الله فكان هذا العطاء المثمر وهذا الإنتاج العضيم الذي نفع الله به المسلمين في هذا الظرف من حياة دعوتهم. وقد كان مالك بن نبي يعيش

طور بواسطة نورين ميديا © 2015