والقرآن الكريم الذي أقام الرسول به أمة الإسلام، ورفعها به إلى درجة لم تبلغها ولن تبلغها أمة من الأمم، من عظمة النفوس، وسمو الأخلاق، وكمال الفضائل الإنسانية، هذا القرآن هو الذي بأيدينا اليوم، لم يتبدل منه حرف، ولم تتغير منه كلمة، ولكن الذي تغير وتبدل هم أصحاب القرآن والداعون به إلى الله.

إن القرآن دواء وشفاء، يداوي يشفي بقدر ما تستجيب له النفوس، وتتقبله العقول، وتتفاعل وتنفعل به المدركات والمشاعر، فإذا لم يجد النفوس الطيبة المستجيبة والعقول السليمة المتقبلة والمدركات والمشاعر المتقبلة المنفعلة فإنه يظل بمعزل عنها أشبه بالنور لا تكتحل به الأبصار المحجبة دونه بحجاب كثيف، يقول الله تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [10] .

ولهذا فإن أهم ما ينبغي أن يتصف به الداعي أن يكون على بصيرة ووعي بالطبيعة الإنسانية، وأن يتعرف إلى المسالك الطبيعية التي يسلك بها إلى النفوس حيث يجد لدعوته مكان القبول لها والانتفاع بها، وذلك بأن يكون الداعي معايشاً للحياة مع الناس، وان يرصد الأحداث التي تعرض لهم، والتي تكون مسرحا لأفكارهم، ومدارا لحديثهم، عندئذ تبدأ مهمة الداعي بعرض هذه الأحداث، ومناقشتها على ضوء الشريعة الإسلامية وما تقدمه من حل لمثل هذه الأحداث العارضة، لأن في هذا ما يشد الناس إلى الدين، ويوثق صلتهم به، فيفزعون إليه كلما عرض لهم أمر بعد هذا، ليجدوا فيه كلمة الفصل فيما يهمهم ويشغل بالهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015