ثم شاء الله أن أبدأ الرحلة مع خلق الله, فسرت في الوجود, تشرق الحياة على قطرات سِنَّى: علماً وإدراكاً وإيماناً, وتختفي معالمها حين تظلم الحياة في الضمائر, وتعمى بالناس المسالك والمدارك, فينسَوْني, أو يريدون إليّ أن أحيا مع الظلم والظلام, وأن تتحوّل قطرات الحبر بين شِقَّيّ دَماً مسفوحاً وشرعاً مذبوحاً, وأن أنشر الفزع والرعب, والخوف والدمار, بما يذيعونه في الناس: من نذر ثم من مصادرة للأنفاس, ثم من إرهاق للأرواح، ثم تجري قطرات الحبر دموعا، ويتحوّل صريري على الأوراق أنيناً ممزقاً، وتوجعاً محموماً, ثم أنظر إلى الضحايا والحيارى فأراهم ملحمة مأسوية تفيض بنزيف لا ينصب من الدم الشريف البريء. وأتمنى لو كانت هناك قلوب تترجم إحساسي وتدرك لهاث أنفاسي, إذاً لتكاثرت وتآزرت, وأسرعت لتلأم الجراح, وتعيد الصفاء للأرواح, وتطلع بين عناق القلوب فجر الأمان والإيمان, وظللت كذلك بين الأسى الدامع، والألم الفاجع. أنتظر بلهفة المفزع, وأمل المروَّع شعاع رجاء وقبس هداية وإنقاذ.
حتى كانت إطلالة الضوء للرسالة المحمدية, فأيقنت أن يقظة كبرى دَبّتْ في حياتي, وأن أضوائي ستنسج خيوط فجر جديد سعيد.
وبدأت الرسالة الكاملة الشاملة بالدعوة إلى القراءة, قراءة قصة الخلق, وقراءة العلم بالله الواحد, الذي فاض كرمه على الخلق, وزاد فضله عن الخلق، فعلّم الإنسان ما لم يعلم من أسرار الوجود, وآيات الكون.. ولكن كيف علّم الإنسان ما لم يعلم؟.
إنه تعالت قدرته, وتقَدس كماله, علَّمه بالقلم، ليعرف به ذاته، وليدرك أنواره وأسراره، وليبدِّد به الظلمة عن عَيْنَي الوجود، وليفتح به القلوب على آيات الله ونعمه, وليزيل غشاوات الأفكار والبصائر، حتّى يكون الإيمان الصادق المشرق هو لغة الحياة السويَّة النقيَّة.