ثم يستعرض العناصر البلاغية التي تناولها القوم، وذكروها بوصفها النوافذ التي يمكن من خلالها أن يطلُّوا على آيات الإعجاز القرآني.. فنراه يتحدث كما تحدث البلاغيون السابقون من أمثال ابن المعتز وأبي هلال العسكري عن الاستعارة، والتشبيه، والإرداف, والمماثلة ويذكر المطابقة والجناس، ويذكر ضرباً يسميه (الموازنة) , وهي مما زاده قدامة بن جعفر [32] في كتابه (جواهر الألفاظ) من حسن البلاغة، وقد سمّاها (اعتدال الوزن) .
ويذكر الباقلاني أيضا (المساواة) على أنها ضرب من البديع، مقتديا بقدامة في هذا الصنيع، وتأثره في حديثه عقب ذلك عن (الإشارة) و (المبالغة) و (الغلو) و (الإيغال) و (التوشيح) و (صحة التقسيم) و (صحة التفسير) و (التقسيم) و (الترصيع) .
ويظل ينقلنا الباقلاني من موضع بلاغي إلى آخر، ومن صورة شعرية فنية إلى أخرى، ملقيا الضوء على ما فيها من أبعاد وظلال فنية، حتى يأتي على كل العناصر البلاغية التي تناولها العلماء, وظنوا أنها السبيل إلى معرفة أسرار الإعجاز القرآني.
بيد أنه في آخر المطاف.. يضع أمام الأذهان سؤالا هاما..
هل لأبواب البديع فائدة في معرفة الإعجاز؟ ويجيب على هذا السؤال إجابة صريحة فيقول: "ليس كذلك عندنا.., لأن هذه الوجوه إذا وقع التنبيه عليها أمكن التوصل إليها بالتدريب والتصنع لها". ويمضي فيقول:
"إنه لا سبيل إلى معرفة إعجاز القرآن من البديع الذي ادّعوه في الشعر ووضعوه فيه، وذلك أن هذا الفن ليس فيه ما يخرق العادة، ويخرج عن العرف، بل يمكن استدراكه بالتعليم والتدرب به والتصنع له.. أما شَأْوَ نظم القرآن فليس له مثال يُحْتَذى عليه ولا إمام يُقْتَدَى به، ولا يصح وقوع مثله اتفاقاً."
فما السبيل إذن إلى معرفة إعجاز القرآن؟