محمد صلى الله عليه وسلم قد مات، فإن الله قد جعل بين أظهركم نوراً تهتدون به بما هدى الله محمداً صلى الله عليه وسلم"، ثم ذكر الحديث [23] . ولقد برع الحافظ في الفتح في الكلام على هذا الحديث براعة علمية لا نظير لها في عصره فيما علمت، إذ تكلم على تخريج الحديث وزياداته وفنون إسناده، ولطائف معانيه فجزاه الله تعالى خير الجزاء، ولم يترك شبهة إلا أزالها، وأثبت رحمه الله تعالى تلك المعاني السامية التي حملها هذا الحديث الشريف في طياته، في إثبات الهداية القرآنية الإلهية، وكذا أثبت وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وفاة حقيقية، وأنّ البقاء لله جل وعلا, ولا يزال القرآن الكريم يدعو بصراحة في آياته، وسوره إلى المقصد الأعلى والأسمى الذي بعث لأجله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسائر إخوانه من الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام في تثبيت العقيدة الصافية النقية، هي عقيدة توحيد الألوهية, وعقيدة توحيد الأسماء والصفات، فلا مجال لهؤلاء الخفافيش ولا قدرة لهم في الإساءة إلى هذا الأصل العظيم، والبنيان الراسخ والحجة القوية الباهرة التي ترك عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته, ولا يمكن أن تنجح دعوة ما كائنة ما كانت إن خالفت هذا الأصل الوثيق والخط المستقيم، والمنهج الرفيع فإن دعا أحد إلى إصلاح أحوال البشرية على غير الخط الذي رسمه القرآن الكريم، والسنة المطهرة فإن دعوته لا تنجح أبداً فإن ضربت لك أمثلة حية على ما قلت ناقلا ذلك عن الحوادث التاريخية المتواترة منذ أن طلع نجم الإسلام في الآفاق إلى يومنا هذا لما كانت تكفيني هذه الصفحات, وللعاقل اللبيب أن يقلِّب صفحات التاريخ الإسلامي الحافل, أو ينظر فيما وقع أمام عينه، وبصره من حوادث خطيرة ضاعت فيها النفوس البريئة، وانتهكت لها الأعراض, وسفكت عليها الدماء, ونهبت فيها الأموال, ثم يتذكر بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم, هذا الانقلاب التاريخي العظيم الذي تنفست