ولقد صوّر القرآن الكريم في هذه الآية الكريمة وغيرها موقفهم من عبادتهم، ودعائهم لغير الله تعالى بأنهم لم يكونوا قد قصدوا دعاءهم وعبادتهم لهذه الأصنام ولا لأصحابها أي مسمياتها, وإنما كان قصدهم من ذلك العمل الشنيع أن يقرب هؤلاء الأصحاب إياهم إلى الله زلفى, فكان المقصود عندهم هو الرب جل وعلا, كما نصت آية الزمر على هذا المعنى، فلم يكن قد اعتقدوا في هذه الأصنام الحجرية وغيرها الضر والنفع ذاتيا. ولقد أوضح القرآن الكريم هذا المعنى في آية أخرى من سورة الأعراف {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [18] . وقد أورد الإمام السيوطي في تفسيره الدر المنثور أثرا إذ قال رحمه الله تعالى: "أخرج عبد بن حميد عن محمد بن كعب القرظي رضي الله تعالى عنه، في قوله تعالى {وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً} , قال رحمه الله تعالى: "كانوا قوما صالحين بين آدم ونوح فنشأ قوم بعدهم يأخذون كأخذهم في العبادة، فقال لهم إبليس: "لو صورتم صورهم، فكنتم تنظرون إليهم"، فصوروا ثم ماتوا فنشأ قوم بعدهم، فقال لهم إبليس: "إن الذين كانوا من قبلكم كانوا يعبدونها", فعبدوها" [19] , قلت: فالأمر في ذلك واضح بيِّن جلي, لا يخفى على أحد إلاّ من خبثت فطرته، وبخست قريحته من عبّاد القبور والأضرحة, وقد عاملهم الشيطان نفس المعاملة التي عاملها قوم نوح ثم مع قريش، وقال الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير مفسرا هذه الآية الكريمة {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ} : استفهام على سبيل الإنكار, والمعنى أنه لا أمر أبعدُ عن الحق، وأقرب إلى الجهل ممن يدعو من دون الله الأصنام فيتخذها آلهة، ويعبدها، وهي إذا دعيت لا تسمع، ولا تصح منها الإجابة لا في الحال، ولا بعد ذلك اليوم إلى يوم القيامة"ثم قال رحمه الله