على منهجه من الأقزام بأن قريشاً كانت تعبد الأصنام الحجرية معتقدة فيها الخير والشر, والأمر ليس كذلك, وإنما كانت تعبد مسمّياتها كما تشير إليه هذه الرواية. ولقد شرح هذه الرواية الحافظ في الفتح شرحا مفصلا, وردّ على الواقدي في زعمه إذ قال: "كان ودّ على صورة رجل، وسواع على صورة امرأة، ويغوث على صورة أسد، ويعوق على صورة فرس, ونسر على صورة طائر"، ثم قال الحافظ: "وهذا شاذ والمشهور أنهم كانوا على صورة البشر، وهو مقتضى ما تقدم من الآثار في سبب عبادتها والله أعلم" [11] . قلت: الذي حكم عليه بالشذوذ فهو منكر؛ لأن الواقدي متهم بالكذب فلا عبرة بروايته، وأما أصنام قريش فمنها اللات، والعزى، والهبل, وأساف, ونائلة, فهي أيضا أسماء لرجال صالحين, قال الإمام ابن الأثير في النهاية: "وفي حديث مجاهد في قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى} قال: "كان رجل يلت السويق لهم"، يريد أن أصله (اللاّت) بالتشديد؛ لأن الصنم سمي باسم الذي كان يلتّ السويق عند الأصنام، أي يخلطه فخُفِّفَ، وجعل اسما للصنم". [12] وقد أخرج البخاري في الصحيح بإسناد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في قوله تعالى: {اللاَّتَ وَالْعُزَّى} : "كان اللات رجلا يلتّ السويق للحاج" [13] , وقال الحافظ في الفتح: "وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس: - ولفظه فيه زيادة - "كان يلتّ السويق على الحجر، فلا يشرب منه أحد إلا سمن، فعبدوه"، واختلف في اسم هذا الرجل, فروى الفاكهي من طريق مجاهد قال: "كان رجل في الجاهلية على صخرة بالطائف، وعليها له غنم, فكان يسلو من رسلها، ويأخذ من زبيب الطائف والأقط فيجعل منه حيسا, ويطعم من يمر به من الناس، فلما مات عبدوه" [14] ، ثم قال الحافظ: "فقد أخرج الفاكهي من وجه آخر عن ابن عباس: "أن اللات لما مات قال لهم عمرو بن لحي: إنه لم يمت، ولكنه دخل الصخرة فعبدوها، وبنوا عليها بيتا", وقد