ونقف أمام الآية التالية {وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ} سورة النور الآية 43، من السماء هنا تعني من عال، لأن السماء تطلق على جهة العلو. ومن جبال فيها من برد: أي ما ينزل من السماء من مطر وبرد وخلافه كالجبال حجما، والبرد فيها ينزل في كثافة فيصيب به الله من يشاء من عباده، ويصرفه عن غيرهم. إذن الجبال جنود الله إن شاء سخرها لخدمة مخلوقاته، وإن شاء أذاقهم بها شديد بأسه وعقابه.

فإذا تأملنا قوله تعالى في الآيتين التاليتين لعرفنا أن الجبال كسائر المخلوقات تعبد الله وتخشى عذابه.

اسمع {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَال} سورة الحج الآية 18. وفي الآية التالية تصوير بليغ لما يصيب الجبال لفزعها من خشية الله: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} سورة الحشر الآية 21، فإذا كانت الجبال يا أخي الإنسان تخشى الله القهار، وهي كما ترى قوية متينة البنيان، فما بالك لا تعبد الله حق عبادته، أأنت أشد صلابة منها، إنك لن تبلغ طولها، ولن تصل إلى متانتها.

أخي إن للجبال قصص مع الأنبياء عليهم السلام، فمثلا: موسى عليه السلام، كلم الله عند جبل الطور في سيناء، إذ يحدثه {وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً} سورة الأعراف الآية 143.

ومعنى سينين: المبارك الحسن بلغة أهل الحبشة، وقال مجاهد: هو المبارك باللغة السريانية، أما كلمة سيناء فهي لفظة نبطية تعني الحبل الذي فيه شجر مثمر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015