أما العلم فقد رأيت صورا منه فيه طالبا ومطلوبا، ولمست مكانته في شهادة السلف الصالح والأئمة وفيهم بعض الصحابة وكثير من التابعين وتابعيهم بإحسان.. وقال مكحول: ما حدثتكم به فعن سعيد بن المسيب والشعبي، وقال ميمون: دخلت المدينة فسألت عن أفقهها فدفعت إلى سعيد بن المسيب، ولابد هنا من الإشارة إلى مبلغ بصره بتأويل الرؤيا كم وعدنا بذلك، فإن المتتبع لشأنه ولاسيما فيما ينقل عنه من ذلك في كتب التراجم والتواريخ ليرى العجب ويتجلى له أنه أوتي ما هو كالوحي مما لا يخطر على بال.. وما يتحقق على غرابته كما قال، روى ابن سعد في طبقاته ما خلاصته: أن رجلا جاء إلى ابن المسيب فزعم له أنه رأى في منامه كأنه أخذ عبد الملك بن مروان فأضجعه إلى الأرض ثم بطحه فدق في ظهره أربعة أوتاد! فقال له: أنت رأيتها؟ قال نعم، قال سعيد: لا، ولا أخبرك أو تخبرني، قال: ابن الزبير رآها وهو بعثني إليك، فقال سعيد إن صدقت قتل عبد الملك ابن الزبير، وخرج من صلبه أربعة كلهم يكون خليفة، فذهب الرجل إلى عبد الملك وأخبره فسر سرورا عظيما، وسأل الرجل عن حال سعيد ثم أجاز الرجل وأغدق عليه، وقال له رجل: رأيت عبد الملك يبول في قبلة النبي صلى الله عليه وسلم أربع مرات، فقال إن صدقت رؤياك قام من صلبه أربعة خلفاء، وجاءه رجل فقال له: رأيت حمامة وقعت على منارة المسجد، فقال: يتزوج الحجاج ابنة عبد الله بن جعفر، وهذه عجائب حقا.
ويرتبط بهذه الناحية ما كان ينضح على لسانه من الحكم العجيبة، ومنها ما نقل عن ابن عيينة قال: سمعت سعيدا يقول: إن الدنيا نذلة وهي إلى كل نذل أقبل وأنذل منها من أخذها بغير حقها، وطلبها من غير حلها، ووضعها في غير سبيلها، وروى أبو نعيم في الحلية أن سعيدا لما جرد عن ثيابه ليضرب قالت امرأة حين رأته: هذا مقام الخزي، فقال سعيد: من الخزي فررنا.