فالآية الأولى قدمت قضية الحقيقة أساساً، وهي أن الذي يخاف من يوم المحشر هو الذي يقبل دائماً أن ينذر، والذي لا يخاف هذا اليوم فما تغنيه النذر ولا ينتفع بها، ثم يأتي بعد ذلك موضوع الطرد ليصحح الوضع، فالذين قبلوا الإنذار خوفاً من يوم الحشر دخلوا في رحمة الله، فلا يملك أحد طردهم منها ولا الرسول نفسه، فأمره سبحانه أن يبقيهم في حضرته، حتى لا يحرموا من تلقي الرحمة المهداة، وأخبره أنه سيكون ظالماً لو طردهم، أما المستحق حقيقة للطرد فهو الذي عصى النذير، لأنه لا يخاف أن يحشر فتكبر، فكان أن طرد من مجلس الرسول ومن جنة الله، وهكذا سدد الإسلام وفي أول ظهوره ضربته الماحقة إلى من تحمله العجرفة على تمييز نفسه وتحقير غيره، ودور عمر رضي الله عنه هام في القصة، فقد استولت عليه الرهبة لما نزلت الآيات تخالف رأيه عندما قال: لو فعلنا ذلك حتى ننظر الذي يريدون، فأسرع خائفاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعتذر إلى الله بين يديه، فتنزل الآية بقبول اعتذاره، لكن بعد أن تذكره أن ما وقع من عمر كان سوءا، فلما علم الله أن هذا السوء غير مَنْوِي، وإنما وقع بغير عمد من صحابي ولي، شرفه في نهاية الآية بالمغفرة له وإحلال الرحمة عليه، فقد خاطب سبحانه نبيه في شأن عمر قائلا: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ، فإذا كان ما أراده عمر هو استدراج المتعالين لعلهم يؤمنون، ومع ذلك اعتُبِر عمله سوءا يوجب التوبة، ولم يشفع لعمر منزلته عند الله وعند رسوله إلا التوبة مما قال، فكيف بمن يشمخون اليوم ويتميزون، وبمن يمدونهم في طغيانهم بالملق والزلفى، أما الذين قالوا لنبيهم نوح عليه السلام {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015