قال ابن القيم رحمه الله تعالى في ((مدارج السالكين)) في الكلام على قوله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} قال: "يريد أن تصل باستدلالك إلى أعلى درجات العلم وهي البصيرة التي تكون نسبة المعلوم فيها إلى القلب كنسبة المرئي إلى البصر وهذه الخصيصة التي اختص بها الصحابة على سائر الأمة وهي أعلى درجات العلماء". انتهى.
وإذا علم هذا فمن زعم أن مراتب غير الصحابة في العلم تفوق مراتب الصحابة فقد تنقصهم وغض من قدرهم وقابلهم بغير ما يستحقونه من الإجلال والاحترام ولا شك أن هذا من الأذية لهم وأذيتهم ليست بالأمر الهين. وقد تقدم حديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الله. . الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله يوشك أن يأخذه" رواه الترمذي. وتقدم أيضا قول محمد بن سيرين: "ما أظن رجلا ينتقص أبا بكر وعمر يحب النبي صلى الله عليه وسلم"رواه الترمذي وقال هذا حديث غريب حسن [1] .
وأما قول أبي تراب: "إن البخاري اجتمع له حديث الصحابة وفقههم أجمع"
فجوابه أن يقال: هذه مجازفة يكذبها الواقع وبيان ذلك من وجوه. أحدها: أن يقال من المستحيل أن تجتمع أحاديث الصحابة وفقههم لرجل واحد ولو بلغ في العلم والفقه ما بلغ، وهذه كتب الحديث والآثار موجودة وليس فيها شيء قد جمع الأحاديث والآثار كلها. ومن أكبر كتب الحديث وأوسعها مسند الإمام أحمد ومع هذا لم تجتمع فيه أحاديث الصحابة كلها ولا الآثار المروية عنهم بل في غيره من كتب الصحاح والسنن والمسانيد ما ليس فيه. وفي كل منها ما ليس في الآخر. وفي هذا أكبر شاهد على بطلان ما زعمه أبو تراب.