ويستفاد من هذه القصة أن العلم رأس الفضائل وأكملها وأشرفها وإن من جمع بين العلم والديانة نال الفضل والشرف والمنزلة العالية والسيادة وإن كان لا نسب له ولا حسب كما حصل لألئك الموالي الذين ذكر الزهري أنهم سادوا أهل الأمصار بالعلم والديانة وكما حصل لغيرهم قديما وحديثا.
الموضع الرابع: زعم أبو تراب أن مرتبة البخاري في العلم تفوق مراتب الصحابة فيه لأنه اجتمع له حديثهم وفقههم أجمع ولكنه لا يفوقهم ولا يدانيهم البتة في الفضل والشرف والمنزلة والكرامة.
والجواب أن يقال: هذا من عجر أبي تراب وبجره ولم أر أحدا سبقه إلى هذا القول الباطل. ولا يخفى ما فيه من الجرأة على الصحابة والغض من قدرهم. وقد تقدم حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "شرار أمتي أجرؤهم على صحابتي" رواه أبو نعيم في الحلية.
ويكفي في رد هذا القول السيئ ما تقدم عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: "من كان مستنا فليستن بمن قد مات أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا خير هذه الأمة.. أبرها قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا.. قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونقل دينه فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم فهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا على الهدى المستقيم والله رب الكعبة"رواه أبو نعيم في الحلية. وروى رزين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه نحوه.
وروى الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن مسعود أيضا رضي الله عنه أنه قال: "إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه فما رأى المسلمون حسنا فهو عند الله حسن وما رأوا سيئا فهو عند الله سيئ "ورواه البزار والطبراني في الكبير قال الهيثمي ورجاله موثقون.