إنك أجمل نعم الله عليّ وأجلّها، انتظرتك طويلا بالأمس، وخشيت ألا أراك وقد كادت تغرب الشمس، فبالله ما أبدع خلقك، وأوسع رزقك، وما أرق جوارحك، وما أحلى ملامحك.. تبارك مولاك الذي خلقك فسوّاك فعدلك، في أي صورة ما شاء ركبك! سبحان من بيده مقاليد السموات والأرض سبحان من خلق فسوى، وقدر فهدى {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} .!.. سبحان {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ} سورة السجدة. {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} 78_ النحل.
سبحان من خلق كل شيء فقدره تقديرا.
سبحان من فتح عينيك، وخطّ حاجبيك، وحرّك شفتيك، ومدّ ذراعيك، ووضع الدنيا كلها تحت قدميك..
لقد عانقتْكَ الحياة يا ولدي وقد أخذت الأرض زخرفها وازينت، وظن أهلها أنهم قادرون عليها.. عانقتك الحياة يا ولدي وقد تبدل الزمان غير الزمان.
أتى الزمانَ بنوه في شبيبته
فسرّهم، وأتيناه على الهرم!
أتيت يا بني وقد سرى ظلام المادة في النفوس، وتسلل حب الدنيا إلى القلوب، وغاب عن البصائر والأبصار نور الأمن والإيمان، وفقد الإنسان مشاعر الأخوة والرحمة لأخيه الإنسان، وخطف الأبصار بريق الدرهم والدينار فبالله ماذا أنت صانع في خضم هذا التيار؟ وكيف تذود عن نفسك وحسّك كل هذه الأخطار؟ أكنت تحدس كل ذلك حين استهللت صارخا بالبكاء، كأنما تشكو هذا البلاء لرب الأرض والسماء؟ لقد أذكرتني هذه الأبيات الحكيمة لابن الرومي حين صاح قائلا: