عن سعيد بن أبي الحسن رضي الله تعالى عنه قال: "جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله تعالى عنه فقال: إني رجل أصور هذه الصور فأفتني فيها. فقال له: أدن مني، فدنا, ثم قال: أدن مني، فدنا حتى وضع يده على رأسه وقال: أنبئك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل مصوِّر في النار يجعل له بكل صورة صورها نفساً فيعذبه في جهنم" وقال ابن عباس فإن كنت ولابد فاعلا فاصنع الشجر وما لا نفس له" [9] .
وقف المفن المسلم أمام هذه النصوص تتنازعه رغبتان: رغبة الفن الحبيسة في نفسه التي تطلب منه الخروج. ورغبة الالتزام بأمر الله ورسوله، لذلك بدأت عملية البحث عن منطلق سليم جديد، يحقق له رغبته ولا يتصادم مع تعاليم دينه، ويكون شاهداً على أصالته وغير مسبوق من أحد قبله، أي إيجاد أسلوب جديد يحطم ما كان قائما على أساس جاهلية ويعطي انطباعاً إسلامياً خالصاً.
وبالفعل بدأت عملية التفكير والتطوير لما يراه ثم يتبعها الإبداع الذي يصب فيه المفن أحاسيسه وذوقه. بدأ المفن المسلم يتفقد ما حوله وينظر إلى ما يراه محاولا أن يجرد الأشكال الطبيعية من صفتها الحقيقية مبتعداً عن أي شبهة في التحريم حتى ولو كان عمله مباحاً، محاولا أن يجعل أعماله في قوالب فنية بحتة رائعة، يمنحها عناصر جمالية فريدة من نوعها، وبذلك يكون قد انتهج أرقى خطة مثالية في التعبير عن المشاعر. فالفن يبدأ حينما يأخذ المفن في الانحراف عن المحاكاة الدقيقة للطبيعة. "ويفرض عليها (وزنا) من عنده (أشبه بأوزان الشعر) وفقا لما توحي به مشاعره وإحساساته بالجمال" [10] .