فجوابه أن يقال لم يثبت ذلك عن عمر رضي الله عنه وعلى تقدير ثبوته فإنما ذلك من باب التواضع..ومن هذا الباب قصته مع المرأة حين قال وهو على المنبر: يا أيها الناس لا تغلوا في صداق النساء. ونهاهم أن يزيدوا على أربعمائة درهم. فقامت امرأة فقالت: إن الله يقول: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً من ذهب} - وهي هكذا في قراءة بن مسعود رضي الله عنه - فرجع عمر رضي الله عنه عن قوله وقال: "كل الناس أفقه من عمر". فهذا من باب التواضع وليس معناه أن تلك المرأة أو غيرها أفقه من عمر رضي الله عنه على الإطلاق كما قد يفهمه بعض الجهلة الأغبياء. وتواضع عمر رضي الله عنه مع المرأة وغيرها يعد من المناقب لا من المعايب.
أما قوله: "ولكنهم لم يكونوا أفضل منه". فجوابه أن يقال: لو كان علي ومعاذ وابن مسعود رضي الله عنهم أفقه من عمر رضي الله عنه لكانوا أفضل منه لأن العلم رأس الفضائل وأكملها وأشرفها ولكنه رضي الله عنه قد فاقهم كلهم في العلم والفقه وفي غير ذلك من الخصال الحميدة فلذلك كان أفضل منهم.
وأما قوله: "وليس لإنسان أن يقرن الفضل بالعلم". فالجواب أن يقال: بل ليس لإنسان أن يفرق بين الفضل وبين العلم لأن العلم خصلة من خصال الفضائل وهو رأسها وأكملها وأشرفها ولا يكون الإنسان فاضلا إلا بالعلم وإذا لم يتصف بالعلم فإنه لا يكون فاضلا وإنما يكون ناقصا وكفى بالعلم شرفا وفضيلة وكفى بالجهل نقصا ووضيعة..
وههنا أمر ينبغي التنبيه عليه وهو أن العلم لا يكون فضيلة في حق كل أحد وإنما يكون فضيلة في حق من يعمل بعلمه فيخشى ربه ويسارع إلى ما يرضيه من الأقوال والأعمال ويجتنب ما يسخطه منها. وأما الذي يكون معه علم وهو لا يخشى ربه ولا يلتمس رضاه ولا يجتنب نهيه فهذا جاهل في الحقيقة وعلمه لا يكون فضيلة في حقه وإنما يكون حجة عليه ووبالا يوم القيامة.