وقد تقدم قريباً حديث حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "وما حدثكم بن مسعود فاقبلوه فقبلوه" وفي رواية: "فصدقوه.." وروى الترمذي عن حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وما حدثكم حذيفة فصدقوه" قال الترمذي هذا حديث حسن. فنحن نصدق بن مسعود وحذيفة رضي الله عنهما فيما حدثا به عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه من غزارة العلم ورجحانه على علم غيره من الناس ونكذب أبا تراب ومن سلك مسلكه الفاسد وقال بقوله الباطل في الغض من قدر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وتفضيل بعض الصحابة عليه في العلم.
وأما قول أبي تراب: "إن معاذ بن جبل وابن مسعود وعلي بن أبي طالب كانوا أفقه من عمر وهو نفسه يشهد بذلك". فجوابه أن يقال: هذه دعوى مجردة لا دليل عليها. وقد ذكرت من الأدلة الكثيرة ما يشهد بكذب هذه الدعوى ويشهد برجحان علم عمر رضي الله عنه على علم غيره من الصحابة رضي الله عنهم سوى أبي بكر رضي الله عنه. ويكفي في ردها ما تقدم عن ابن مسعود وحذيفة وسعيد بن المسيب وعمرو بن ميمون وإبراهيم النخعي أنهم شهدوا لعمر رضي الله عنه بغزارة العلم ورجحانه على سائر الناس سوى الصديق رضي الله عنه.
قال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى في منهاج السنة: "قد أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم - أي عن عمر رضي الله عنه - من العلم والدين والإلهام بما لم يخبر بمثله لا في حق عثمان ولا علي ولا طلحة ولا الزبير".
وسئل شيخ الإسلام أبو العباس أيضا عن: رجلين اختلفا فقال: أحدهما أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما أعلم وأفقه من علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وقال الآخر: بل علي بن أبي طالب أعلم وأفقه من أبي بكر وعمر. فأي القولين أصوب؟. وإذا ادعى مدع أن إجماع المسلمين على أن عليا رضي الله عنه أعلم وأفقه من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما يكون محقاً أو مخطئا؟.