إن المتأمل في كتب المبشرين وأسفارهم المقدسة يخرج بنتيجة حتمية واحدة وهي إن هذه الدعوة لا تملك لا عقيدة ولا شريعة وخلاصة ما تدعو إليه بعض مكارم الأخلاق كالزهد والحلم والتواضع ولين الجانب والإقبال على العبادة والتنسك وهذا لاشك جانب من الدعوة ولكن لا بد مع هذا من عقيدة تقنع العقل وتشبع القلب ومن شريعة تنظيم سلوك الإنسان وترشده في متاهات الحياة ونظرة متكاملة تعطي الإنسان تفسيرا عن هذا الكون وكل هذه الأمور تفتقر إليها دعوة المبشرين.
بل نقول أكثر من هذا وما نحن بمبالغين وهو أن هذه الدعوة تفتقر إلى الأصول والمنابع الأولى التي تستمد منها أفكارها وآراءها ومبادئها وذلك لأن ما تعتمد عليه من كتب مقدسة ومن سيرة صاحبها الأول وهو المسيح عليه السلام لا يصلح أن يكون أساسا لدعوة متكاملة لا من حيث النقل والثبوت ولا من حيث المضمون والمحتوى.
وأما من حيث النقل والثبوت فمن المتفق عليه عند المؤرخين والمنصفين من الناس أن أية أمة من أمم الأرض لا تستطيع أن تروي عن نبيها خبراً واحداً من كتاب أو سنة يرقى إلى مرتبة أخبار الآحاد عند المسلمين وأن بين هذه الكتب ومن أنزلت إليهم مفاوز من الانقطاع والمجاهيل التي لا يدري عنها أحد شيئا وكذلك الأقوال المروية عنهم لا يعرف لها سند أصلا وإنما وجدت هكذا وولدت كما هي وقبلت كما وجدت وكما ولدت.