إذا تعالى، ولا الآذان آذان
فلا الأذان أذان في منارته
وأنىّ لغير الأعلين من فحول الشعراء أن يرتفعوا بمعانيهم وأخيلتهم وصياغتهم إلى مستوى الكارثة الكبرى المتمثلة بسقوط الخلافة، كما صنع شوقي؟
لقد أنشد في انتصار الطاغية على أوشاب اليونان أحفل قصائده بألَق البهجة والاعتزاز، فلما فوجئ بانقلابه المجرم على خلافة المسلمين، لم يستطع أن يحبس مشاعره الثائرة، فانطلق يندب تلك العروس التي اغتيلت ليلة الزفاف، بأيدي الذين تظاهروا بإنقاذها من أيدي أعدائها، وقد أعماهم الهوى حتى نسوا أن التي بها يفتكون إنما هي وشيجة فخرهم ومرتكز مآثرهم وأمجادهم، فعزهم يهدمون، وشرفهم يثلمون، ووحدة المسلمين يمزقون:
قتلت بغير جريرة وجناح
يا للَرجال لحرة موءودة
قتلتك سلمهمو بغير جراح
إن الذين أست جراحك حربهم
مَوْشِيةً بمواهب الفتا.
هتكوا بأيديهم ملاءة فخرهم
كانت أبر علائق الأرواح
وعلاقة فصمت عرى أسبابها
في كل غدوة جمعة ورواح
نظمت صفوف المسلمين وخطوهم
وفي غمار النكبة لا يفوته أن يوجه إلى العالم الإسلامي، وبخاصة الشعب التركي، بعض ما يستحقه من التقريع، على ما أحاط به ذلك الغادر من أمواج الحب والإعظام، التي أوهمته أن المسلمين سيصفقون لكل قرار يصدره ولو كان فيه تخريب الكيان الإسلامي بأسره:
لم تسلُ بعد عبادة الأشباح
تركته كالشبح المؤلّهِ أمة
حتى تناول كل غير مباح
هم أطلقوا يده كقيصر فيهمو
ويا لها وثبة عبقرية تلك التي تطل بشوقي على ما وراء مصرع الخلافة من فتوق، تفتح على العالم ما لا يمكن حصره من الآفات والكوارث، التي كانت الخلافة الناظمة لوحدة المسلمين هي الحاجز الواقي دونها، فبزوالها سيكون المسلمون فريسة لكل طامع، ونهبة لكل فتنة يثيرها الدجالون من المتقاتلين على تركة الخلافة: