ومثل ذلك ما نراه في وصفه للطائرة، فهي لا تخرج عن كونها مركباً عجيباً، أشبه بالجواد، ملجماً مهيأ للركوب في كل لحظة:
كان إحدى معجزات القدماء
مركب لو سلف الدهر به
يا لها إحدى أعاجيب القضاء
نصفه طير ونصف بشر
كامل العدة مرموق الرواء
مسرج في كل حين ملجم
7- الرثاء في شعر شوقي:
أكثر شوقي من الرثاء حتى عيب عليه ذلك فرد عن نفسه مدافعاً:
أأملت عند الراحلين الجوازيا؟
يقولون: يرثي الراحلين فويحهم
لم يتكسب برثائه ولكنه لم يرث بدافع من الحزن وحده، بل هناك دوافع شتى، كالمجاملة وحب الشهرة, ومرثيوه من طبقات مختلفة, سياسيون وأدباء وأجانب. . ومن خصائص رثائه ضعف العاطفة - حتى في أبويه - ثم التفلسف وكثرة الحكم، تقليداً للقدامى. فهو رثاء عقلي واعٍ، يقوم على هذه العناصر مضافاً إليها تعداد المناقب والمآثر, لنستمع إليه يرثي والده فينسى وصف حزنه بهذا التفلسف البارد:
لقي الموت كلانا مرتين
أنا من مات ومن مات أنا
ثم صرنا مهجة في بدنين
نحن كنا مهجة في بدن
وتموت أمه وهو منفي فلا يتمالك أن يتخذ من موتها فرصة لمعارضة قصيدة المتنبي في جدلة قافية ووزناً ومعنى، فيصيبه الإخفاق لما يبدو على قصيدته من التقليد الباهت، وبخاصة في الحكمة التي حاول أن يحاكي بها المتنبي، فجاءت فارغة جوفاء أو مسروقة محرفة:
أصاب سويداء الفؤاد وما أصمى
إلى الله أشكو من عوادي النوى سهما
ولا كلقاء الموت من بينها حتما
ولم أرَ حكماً كالمقادير نافذاً
سبيل يدين العالمون به قدما
إلى حيث آباء الفتى يذهب الفتى
لي اليوم منها كان بالأمس لي وهما
زجرت تصاريف الزمان فما يقع
وهكذا تخون العاطفة شوقياً في رثاء أقرب الناس إليه، فلا ينتظر أن يكون أشد عاطفة في رثاء الآخرين.