ومن آثاره أيضاً أن الرجل المتبني لا يحل له - في نظرهم - أن يتزوج زوجة متبناه إذا فارقها، كما لا يحل له أن يتزوج زوجة ابنه الحقيقي إذا طلقها، فأبطل الله هذا أيضاً، وأباح للرجل أن يتزوج مطلقة متبناه، وفرق بين زوجة المتبني، وزوجة الابن الحقيقي؛ حيث حرّم على الأب أن يتزوج حليلة ابنه الحقيقي إذا فارقها، وقد أشار إلى التفرقة بين زوجة الابن الحقيقي وزوجة المتبنّى قوله تعالى في سورة النساء: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} فقوله تعالى: {مِنْ أَصْلابِكُمْ} للاحتراز عن زوجة المتبنّى أبطل الله تعالى التبني، ومحا آثاره ونتائجه, ولكن من ذا الذي يقدر على أن يقتلع من نفوس العرب هذه العادة الراسخة في نفوسهم المتأصلة في دمائهم من قديم؟
ومن ذا الذي يستطيع أن يقدم على التزوج من مطلقة متبناه؟
مضت سنة الله تعالى في خلقة أنّ ما رسخ في النفس بحكم العادة لا يسهل عليها التفصّي منه، ولا الرغبة عنه، ولا يقدر على ذلك إلا من رفعه الله فوق العادات، وأعتقه من رق الشهوات، فلا يتحكم فيه إلف، ولا يسيطر عليه عرف, وذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان أول من يهدم العقائد الزائفة، ويقوض الخرافات السائدة، ويقيم في مكانها صرحاً من الحق والعدالة، ومناراً من الشريعة والاستقامة.
ومن أجل ذلك كان الشأن إذا نهى الله عن محرم كانت الجاهلية تفعله، أو أحلّ شيئاً كانت الجاهلية تحرمه أن يبادر النبي صلى الله عليه وسلم إلى امتثال النهي بالكفّ عن المنهي عنه، والإتيان بضده، وأن يسارع إلى تنفيذ الأمر بإتيان المأمور به، حتى يكون قدوة حسنة، ومثالا صالحا تحاكيه النفوس، وتحتذيه الهمم، وحتى يخف وزر العادة، وتخلص العقول من ريب الشبهة.