ولو كنت قرأتها قبل ذلك لعرفت هدف الشيخ رحمه الله ولكانت استفادتك من الكتاب أكثر ولقدمت للشيخ وافر الشكر وسألت الله له الرحمة والرضوان ولعل مما يكشف عن حقيقة هذا الكتاب ويدفع ما توهمته في الشيخ وقوفك على سبب تأليفه كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إن معرفة أسباب النزول تعين على فهم الآيات", فكذلك هنا معرفة سبب التأليف تعين على فهم موضوع الكتاب، والغرض من تأليفه، ومعلوم لديكم ما يقوله الأدباء والكتاب والنقاد:
إن معرفة ظروف وملابسات إنشاء القصيد وكتابة المقال تحدد نقاط النقد وتضع الميزان الصحيح للناقد الموجه بناء على أن لكل مقام مقال.
وحقيقة هذا الكتاب وسبب تأليفه يخصني في الدرجة الأولى وأستطيع أن أقول: إنما وضع بسببي إن لم يكن من أجلي وذلك حينما كنت أقرأ على الشيخ رحمه الله تفسير سورة البقرة وكان رحمه الله مخصصاً لي حصة يومياً ما بين المغرب والعشاء. . ومكثت فيها لمدة سنتين في تلك الحصة وكان رحمه الله يأتي بما فتح الله عليه من دقائق التفسير ولطائفه. . على أن تفسير هذه السورة يعتبر أساساً لتفسير القرآن كله. فكان رحمه الله يمعن في بيان شتى علوم القرآن من بلاغة ولغة وأصول وأحكام وغير ذلك وخاصة بيان أوجه الجمع بين بعض الآيات التي ظاهرها التعارض، وبيان أقوال السلف في ذلك ابتداء من قوله تعالى: {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} مع قوله تعالى: {هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى} , ومثل قوله تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ} , مع قوله تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ} , ومثل ذلك كثير مما هو مسطور في الكتاب.
فسألته: وهل يوجد تأليف يوقف طالب العلم على هذه الأوجه للجمع بين تلك الآيات؟
فأجاب: أنه لم يطلع على مثله.