فيعتصب الجيش بقيادته اعتصابا ويندمج فيها وتندمج فيه فتتناسق العمليات والخطا وتقل الأخطاء ويعطي الجيش طاقاته كلها في خطة منسقة محققة للنصر، ولو قرأنا أخبار الفتوحات الإسلامية وما حققته من باهر الانتصارات فلن نخطئ أبدا إذا حكمنا بأن جانبا كبيرا من النصر يعزى إلى التواثق والتجاوب بين القيادة والجندي، وفي تاريخنا مواقف خالدة لهذه الطاعة الراضية المرضية فقد بحث رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها في من أقبل معه إلى بدر في أول مشهد عظيم فوجدها فيهم وارتضاها كان يقول: "أشيروا علي أيها الناس" [55] يستوثق من أصحابه، وكل يجيبه بالطاعة والرضا، وفي مقالة المقداد بن عمرو ما يفحص عن هذه الطاعة التي لا تعرف حدا للإذعان والاستجابة. قال المقداد:"يا رسول الله أمض لما أراك الله فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى أذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، ولكن أذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوا الذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجا لدنا معك من دونه حتى تبلغه".

وقد علمت المؤمنين الأحداث أن طاعة قيادتهم تقتضي التنفيذ الفعلي الدقيق للأوامر كلها، ولا يحق لأي وحدة من وحدات الجيش أن تتصرف تصرفا خاصا بها، وقد دفعوا يوم أحد الثمن غاليا إذ خالف الرماة عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزلوا عن الجبل طمعا في الغنيمة لما أيقنوا هزيمة القوم فالتفت عليهم خيل المشركين وكلفتهم هذه المخالفة سبعين شهيدا وكانت درسا قاسيا علمت المسلمين بعدها الالتزام الشامل للأوامر الصادرة من رسول صلى الله عليه وسلام فكان أحدهم يوم الخندق إذا أراد الذهاب لبعض حاجته استأذن الرسول عليه الصلاة والسلام فيأذن له.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015