ومن فترات العودة إلى الهوية الحقيقية الفترة التي حكم خلالها خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز رحمه الله، إذ عادت علاقة الأمة المسلمة بالأمم الأخرى إلى كونها علاقة قائمة على أساس الدعوة ومقتضياتها (لا على أساس الجباية والسطوة) ، مما سبب دخول الملوك في الإسلام على يديه، ولكن الذين جاؤوا بعده عادوا إلى الانفصال النسبي عن هذه الهوية، فظهرت آثار هذا الانفصال السيئة على مسرح العلاقات الخارجية الإسلامية.
يقول البلاذري في كتابه فتوح البلدان [46] :
"ثم مات سليمان بن عبد الملك، وكانت خلافة عمر بن عبد العزيز بعده، فكتب إلى الملوك (ملوك السند) يدعوهم إلى الإسلام والطاعة، على أن يملكهم، ولهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، وقد كانت بلغتهم سيرته ومذهبه فأسلم حليشة [47] والملوك، وتسموا بأسماء العرب".
ولكن ولاية السند صارت في أيام هشام بن عبد الملك إلى الجنيد بن عبد الرحمن المري، (فأتي الجنيد الديبل [48] ، ثم نزل شط مِهران [49] ، فمنعه حليشة العبور، وأرسل إليه:"إني قد أسلمت وولاني الرجل الصالح بلادي ولست آمنك". فأعطاه رهناً وأخذ منه رهناً بما على بلاده من الخارج، ثم إنهما ترادّا الرهن، وكفر حليشة وحارب، وقيل إنه لم يحارب، ولكن الجنيد تجنى عليه، فأتى الهند فجمع جموعاً، وأخذ السفن، واستعد للحرب، فسار إليه الجنيد في السفن، فالتقوا في بطيحة الشرقي، فأُخذ حليشة أسيراً، وقد جنحت سفينته فقتله.
وهرب صصة بن داهر [50] ، وهو يريد أن يمضي إلى العراق فيشكو غدر الجنيد، فلم يزل الجنيد يؤنسه حتى وضع يده في يده فقتله) [51] وقد أورد ابن الأثير هذا الخبر في (الكامل) [52] بنحو رواية البلاذري.