ومن ثم جعل الله سبحانه للقوة المعنوية موارد عديدة يورد المؤمنين منها ما شاء، على أنه من عليهم بمورد دائم فياض لا يغيض ولا ينضب ماؤه يذكي فيهم الحمية والشجاعة ما نهلوا منه إلا وهو منهل التآلف والتعاضد والمؤمن إن رأى نفسه عضوا في جماعة كبيرة متساندة متآخية متحدة الكلمة والرأي استشعر ثقة كبرى، وإن علم أنه يقاتل في جيش يتسابق أفراده إلى الشهادة امتلك حينئذ الثبات والإقدام امتلاكا والحق أن هذه الوحدة في الفكر والشعور هي أظهر ما يميز الجيش الإسلامي، بل هي شعاره ورايته ولم يمن الله عليه بالنصر إلا بها إنها كلمة السر في انتصارات المسلمين وفي عزهم وظهورهم وقد ذكر الله نبيه نعمته تلك في الحديث عن بدر فقال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ} [41]

ومن نافلة القول أن نذكر أن سبب التأليف هو وحدة العقيدة والتزامهم بها، وأن حظهم من قوة التآلف يقاس بمقدار ما هم عليه من الارتباط بها والاندماج فيها. وما زال الله يجمع بين المؤمنين بالإيمان حتى صنع منهم مثلا لا يدانى في وحدة الصف والكلمة وهل نجد في التاريخ كله مشهدا أقوى اتحادا من مشهد المؤمنين يوم بيعة الرضوان في الحديبية إذ بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصبر أو الموت.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015