ورغم بطش الكنيسة فإنها عجزت عن إيقاف التيار فاضطرت إلى أن تدافع عن نفسها بطريقة أخرى، فبدأت بالاهتمام بدراسة اللغات الشرقية وفي مقدمتها اللغة العربية..
فكانت طلائع المستشرقين من القسس والرهبان فانكبوا على دراسة اللغة العربية وكان رجال الكنيسة يشكلون وحدهم الطبقة المتعلمة في أوروبا ويهيمنون على الجامعات ومراكز العلم فيها..
وأنشئ أول مركز لدراسة اللغة العربية في الفاتيكان لتخريج أهل جدل يقارعون فقهاء المسلمين ويجادلون البروتستانت..
ورحل أول فريق من الرهبان إلى المغرب للغاية نفسها فقتل منهم هناك عدد كثير ورحل آخرون إلى المشرق، إلى سوريا ومصر..
وأمر الفاتيكان بإدخال اللغة العربية واللغات الشرقية الأخرى في مدارس الأديرة والكاتدرائيات، وعمل على إنشاء كراسٍ لهذه اللغات في الجامعات في إسبانيا وفرنسا وإيطاليا، وأصبحت جامعة باريس تشكل أهم مركز للدراسات العربية والشرقية.. واستعين بعدد من علماء اللاهوت وبعدد من المستشرقين اليهود ممن أجادوا تلك اللغات للقيام بتدريسها في تلك المدارس ولتولى تلك الكراسي في الجامعات..
ثم توسعت الدراسات الشرقية والعربية أكثر عندما أمر بابا الفاتيكان الخامس في أوائل القرن الرابع عشر بإنشاء كراسٍ للغات: العربية والعبرية والكلدانية في عدد من الجامعات الرئيسية في أوروبا وهي:
جامعة باريس، وأكسفورد، وبولونيا، وجامعة الفاتيكان نفسه مع تنصيب أستاذين لكل من هذه اللغات في كل كرسي، وتكليفهم بترجمة نصوص عربية وعبرية وكلدانية للرد على منتقدي الدين المسيحي.. [4]
كان أول ما اتجه إليه المستشرقون في دراستهم العربية: كتب الفلسفة والمنطق والرياضيات فترجموا كتب ابن رشد والغزالي وابن سينا وأرسطو ونحوهم ثم توجهوا إلى العناية بآداب اللغة العربية والحضارة الإسلامية، وإلى دراسة الإسلام نفسه..