في خلال سنتين اثنتين استولى الغزاة على ملك قضى مستردوه سبعة قرون كاملة في استرداده، ولم يكن في الواقع فتحا فرض على الناس برهبة السلاح بل حضارة جديدة بسطت شعابها على جميع مرافق الحياة، ولم يتخل أبناء تلك الحضارة زمنا عن فضيلة حرية الضمير وهي الدعامة التي تقوم عليها كل عظمة حقة للشعوب فقبلوا في المدن التي ملكوها كنائس النصارى وبيع النهود ولم يخش المسجد معابد الأديان التي سبقته فعرف لها حقها واستقر إلى جانبها غير حاسد لها ولا راغب في السيطرة عليها ونمت على هذا ما بين القرن الثامن والقرن الخامس عشر أجمل الحضارات وأغناها في العصور الوسطى، في الزمن الذي كانت فيه أمم الشمال فريسة للفتن الدينية والمعارك الهمجية يعيشون عيشة القبائل المستوحشة في بلادهم المتخلفة، وبينما كانت شعوب الفرنجة والسكسون والجرمان يعيشون في الأكواخ ويعتلي ملوكهم وأشرافهم قمم الصخور في القلاع المظلمة ومن حولهم رجال هم عالة عليهم يلبسون الزرد ويأكلون طعام الإنسان الأول قبل التاريخ كان العرب الأندلسيون يشيدون قصورهم القوراء ويرودون الحمامات للمساجلة في مسائل العلم والأدب وتناشد الأشعار وتناقل الأخبار. ا -هـ[2] .
ويقول ستانلي لاين بول المؤرخ الإنكليزي واصفا تلك الحضارة بعبارة موجزة مملوءة بالمعاني" إن حكم عبد الرحمن الثالث الذي قارب خمسين سنة أدخل على أحوال إسبانيا تجديدا لا يلم الخيال - على أجمع ما يكون - بحقيقة فحواه " [3]- اهـ.