وهل كل يوم يجود الزمان بسبي؟ وهل تهب الرياح دواماً بما تشتهيه السفن؟ بادر معها بالذهاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وماذا لو شكا بنفسه إليه؟ أليس هو ابن أبي طالب الذي كفل النبي صلى الله عليه وسلم في صغره، ونافح عنه بعد كبره؟ أليس هو مع ذلك زوج ابنته المحبوبة؟ فأي حرج في أن يشكو القريب إلى ذي قرابته، والزوج إلى أبي زوجته؟ وإلى من يشتكي إذا لم يشتك هؤلاء؟.

ولا بد من شكوى إلى ذي مروءة يواسيك أو يسليك أو يتوجع ليس هناك ما يدعو إلى التحفظ، ويحمل على التهيب، فالقرابة والمصاهرة والحاجة كلها تفتح باب الأمل، وتعبد طريق الرجاء، وتشجع على العرض، وهي مع ذلك تحفظ السر، وتصونه من الذيوع، وابتدأ علي رضي الله عنه يعرض شكايته على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثنت فاطمة كذلك، كلاهما يبثه شكواه بعد أن تعسرت عليه سبل الحياة، كلاهما ممتلئ القلب بالأمل في أن يجد فرجا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي هذه المرة تجرأت فاطمة، وتدفع عن نفسها تهمة التقصير، فصرحت بكل ما يدور في خلدها، ويجول في خاطرها، وأبدت رغبتها في أن يجود عليها أبوها بخادم يخفف عنها متاعب البيت، والرسول صلى الله عليه وسلم ينصت إليهما ويصيخ لهما في هدوء وأناة حتى إذا ما انتهيا لقنهما درساً لم يك في الحسبان، ألقى عليهما درساً قاسياً، لا يستطيعون له نسياناً ولا تناسياً، فاجأهما بدرس فيه عظة وعبرة، درس قضى على المحسوبية، وأتى على بنيانها من القواعد، درس ينادي ألاّ محاباة ولا مجاملة ولا استثناءات، درس يفيض محبة وحناناً ورأفة بالفقراء والمساكين وشفقة على البؤساء والمحتاجين, درس يسجله التاريخ بنِقْس الإعجاب على مر الأيام، وكر الأعوام، ينادي جهرة بفم الزمان "والله لا أعطيكما وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم من الجوع لا أجد ما أنفق عليهم، ولكن أبيعهم وأنفق عليهم أثمانهم".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015