وقد انخدع بعض المثقفين ثقافة غربية من المسلمين وأخذوا بهذه الحضارة المادية وهذا التقدم الكبير وظنوا-وهما منهم-أن الدين الإسلامي عائق للأمة الإسلامية عن الانطلاقة في هذا الميدان وأنه يحرّم النظر والبحث في مثل هذه المسائل, وأن علم الدين يقتصر على الأمور التعبدية وبعض المعاملات المالية التي كانت معروفة في العصور الغابرة, وأن القرآن قد أدى مهمته في العصر الذي أنزل فيه وأنه لا يمكن أن يُتخذ دستورا-كمفهوم الدساتير الحديثة في هذا العصر-لأنه كتاب يتعلق بالأمور التعبدية ولم يقصد منه أن يكون كل شيء في حياة الناس وإن صح أن الإسلام فيه من المفاهيم الأخلاقية ما نجعله دعوة أخلاقية سامية, فإن هذه المفاهيم لا تكفي وحدها ليبنى عليها نهضة علمية كهذه النهضة المعاصرة, وشتان بين ما وصل إليه الغربيون والشرقيون من مستويات عالية جدا في شتى العلوم وبين ما عليه الأمة الإسلامية مع اختلاف الأجناس فيها. مما يؤكد أن الوحدة الجامعة التي تشد بهؤلاء إلى الوراء هي الدين والدين وحده.
هذه هي حجة بعض المثقفين الغربيين (من المسلمين) وحجة المخدوعين بهم وبالمظاهر المادية المتعددة الجوانب في الحضارة المعاصرة.
ولو محّصنا هذه الحجة تمحيصا دقيقا لوجدنا أنها حجة واهية لا تستند إلى أساس, وسنورد بعض النقاط الرئيسية التي يمكن أن تشير إلى ضعف هذه الحجة وعدم إمكانية اتخاذها مستندا لتبرير هجر التعاليم الإسلامية وعدم الأخذ بها.
وأول هذه النقاط, وأعتقد أنها أهم النقاط الأخرى وهى:
1- جهل هؤلاء المثقفين بعقيدتهم الإسلامية وبما تتضمنه هذه العقيدة من أسس قويمة.
وقد قيل في الأمثال العربية: "من جهل شيئا عاداه". وهؤلاء معذورون من هذه الناحية لأنهم يجهلون حقيقة الإسلام.