ذهب إقبال منذ نعومة أظفاره إلى مكتب تحفيظ القرآن في (سيالكوت) , وما يكاد أن يتحرك النهار وينحسر ظلّ الليل رويداً رويداً, وتثب الشمس من الأفق الشرقي, حتى يكون إقبال جالساً يستقبل الفجر, وأنداء الصباح تتمسّح بوجهه البريء الصغير, فيهب في نشاطه المعهود, ويصلي من خلف أبيه الشيخ الزاهد, ثم يتلو القرآن, وقد حرص أبوه المربي الفاضل على أن لا تكون قراءة إقبال كلمات تلقى, وآيات تتلى, وإنما قال له: "يا بني إقرأ القرآن وكأنه أنزل عليك", وفي ذلك يقول إقبال: "ومنذ ذلك اليوم بدأت أتفهّم القرآن وأُقبل عليه فكان من أنواره ما اقتبست ومن بحره ما نظمت" ... ثم انتقل إقبال إلى مدرسة (سيالكوت) وما أن أتم دراسته الثانوية حتى التحق بكليتها, حيث تلقى أصول اللغة الفارسية والعربية على أستاذه السيّد (مير حسن) .. ولقد امتاز طوال هذه الفترة بذكائه الحاد وبديهته السريعة, وحوزه لقصب السبق بين أقران ولداته, ونتج عن ذلك أن نال الجوائز السنية ونال فرصة الدراسة بالمجان, وفتحت بعد ذلك كلية الحكومة في (لاهور) ذارعيها لاستقبال الشاب الذكي, ففاق على أقرانه, ونال ميداليتين ذهبيتين, ومساعدة الحكومة الشهرية له جزاء اجتهاده.
وفي كلية الحكومة بـ (لاهور) التقى إقبال بأستاذه الفيلسوف المستشرق (توماس أرنولد) الذي رحّب بميل تلميذه إلى الفلسفة, فكان له خير مرشد ومعين, وسرعان ما توثقت بينهما أواصر الصداقة, واستحكمت روابط الألفة, ثم نال إقبال شهادة في الفلسفة وعيّن أستاذا للفلسفة والسياسة المدنية بالكلية الشرقية في (لاهور) , ثم أستاذا للفلسفة واللغة الإنكليزية في كلية الحكومة هناك, وكان ذلك هو الدليل المادي على تقديرهم لغزارة علمه, ورجاحة عقله, وعظيم عبقريته.