- نعم يا فخري بك.. في قصر المهاجرين!.. في قصر الرئاسة.

- إذن.. هناك انقلاب عسكري!..

- نعم انقلاب عسكري.. لقد أنهينا عهد الفوضى.. وقبضنا على أزمة السلطة لإنقاذ البلاد.. إن السيارة في الطريق إليك.. نريد أن ننتفع بآرائك يا.. فخري بك..

وانقطع الحوار.. وأعاد فخري السماعة.. ثم أسند رأسه إلى راحته في هدوء غير طبيعي.. وكأنه كان على موعد مع الحدث، فلم يبد عليه أي أثر للاستغراب، وجعل يتمتم:

محضتهمو نصحي يمنعرج اللوى.

فلم يستبينوا النصح إلاّ ضحى الغد!.

وما هي إلا لحظات حتى كانت سيارة عليها شارة الحرس الجمهوري تجتاز مدخل المزرعة لتستقر عند باب المنزل. ويهبط منها بعض الضباط لإبلاغه دعوة (الزعيم) .. وفي صمت كئيب يمضي معهم إلى السيارة، التي أخذت تنهب بهم الطرق، ثم تجتاز الشوارع، التي انتثر خلالها الجند بخوذهم الفولاذية وأسلحتهم الرشاشة.. حتى احتواهم القصر، الذي كان آخر عهده به يوم تلقى سمعه من سيده تلك الكلمة التي دفعته إلى عزلته (.. كل شيء على ما يُرام..) .

وعلى الكرسي نفسه الذي غادر صديقه عليه ذلك اليوم.. استقبله صاحب الانقلاب في بشاشة صارمة وهو يقول: أهلاً بزعيم الشباب ...

وأجاب فخري بلهجته المطمئنة المرحة: ولكن عهد الشباب قد انتهى يا.. سيادة الزعيم.

وعقب الزعيم وهو يهز يده: أجل.. لقد بدأ عهد جديد.. وعلى كل سوري أن ينصره بكل مواهبه. وطبيعي أن يكون فخري بك في مقدمة مؤيديه..

وبعد لحظة صمت قال فخري: كل ما يملكه ابن سبعين مثلي أن يسأل الله لبلده الهداية والوعي الصحيح..

وأردف الزعيم: أوليست حركتنا هذه طليعة الاستجابة لدعائك!.

- ذلك ما أتمناه.. ولكن..

- ولكن.. ماذا؟!..

وبصراحته التي لم يستطع التخلي عنها يوماً قال: لقد فقدنا القدرة على الرؤية منذ اليوم الذين خرجنا على الخلافة..

طور بواسطة نورين ميديا © 2015