فَاعْبُدُونِ} ومثل هذه الآيات في القرآن كثير بل جل القرآن في ذلك، إما أمر به أو نهي عن ضده أو ما ينقصه ويذهب كماله أو في جزاء أهله عاجلاً وآجلاً أو في ذكر ما فعل الله بمن أباه وامتنع من قبوله من العذاب المؤلم وما سيلقاه عند مرده إلى خالقه.

حاجة الخلق إلى تحقيق التوحيد:

ومع ذلك فحاجة الخلق إلى تحقيق هذا التوحيد فوق كل حاجة لأنهم لا يدركون الصلاح واللذة والفلاح والنعيم بدونه فمن أعرض عنه فله في الدنيا معيشة ضنكا ويحشره الله يوم القيامة أعمى وحقيقة العبد قلبه وروحه ولا يطمئن القلب وتسكن الروح إلا بالله بأن يكون وحده إلهه ومحبوبه دون ما سواه ولو حصل للعبد راحة وفرح وسكون ولذة بغير الله فإن ذلك لا يدوم بل سرعان ما ينقلب بؤساً وشقاء وحسرة. ولا بد من مرد الخلق إلى الله فهم فقراء إليه وفقرهم ملازم لهم لا ينفك عنهم وهو الغني بذاته عن كل ما سواه ومع ذلك فالإيمان بالله وعبادته ومحبته والإنابة إليه غذاء الإنسان وقوته الحقيقي وليست عبادة الله تكليفاً ومشقة لمجرد الامتحان والاختبار والتعويض بالأجرة كما يقوله من لم يذق طعم الإيمان من المعتزلة وغيرهم وإذا وقع في أوامر الله وشرعه ما هو على خلاف هوى النفوس مما يشق عليها فإن ذلك ليس هو المقصود بالأصالة وإنما وقع ضمناً وتبعاً وغلب أوامر الشرع قرة العيون وسرور القلب ولذات الأرواح وكمال النعيم مع إرادة وجه الله الإنابة إليه لأنه الإله الحق الذي تطمئن القلوب بذكره.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015