إلا أن هناك نواحي في هذا التاريخ يكاد ينعقد عليها إجماع علماء الأنساب والتاريخ، وأشارت نصوص القرآن والسنة إلى بعضها، فنحن نلم من هذين المصدرين بما يكفي لإعطاء صورة واضحة، وإلقاء ضوء ساطع على موضوعنا، ولعل استنتاجاتنا إذ حصرناها في ذلك تكون أقرب إلى القطع واليقين منها إلى الحدس والتخمين..
أصل العرب:
اتفق علماء الأجناس وعلماء الأنساب على أنهم من - الفصيلة السامية - وكذلك المؤرخون المسلمون أرجعوا أصلهم إلى - سام بن نوح - عليه السلام وهو أحد الأصول الثلاثة التي تتفرع منها الأمم وهي (سام، وحام، ويافث) ، روى ابن عبد البر في كتابه عن أنساب العرب والعجم حديثاً عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "سام أبو العرب وحام أبو الحبش ويافث أبو الروم" ورواه أيضاً الترمذي وأحمد والحاكم عن سمرة، وذكره الحافظ العراقي في كتابه - القرب في محبة العرب -[4] وحسنه..
ومن المعلوم أن تمايز الأجناس والأمم إنما حدث بالتدريج ابتداءً بهؤلاء الأصول الذين يمثلون
ذرية نوح الباقين في الأرض [5] . ولكننا لا نستطيع أن نجزم ببداية تميز العرب كأمة مستقلة في أي تاريخ كان فضلاً عن أن نحدد لهم أباً بعد - سام - تناسلوا منه: سواء كان هذا الأب هو يعرب، أو قحطان، أو عابر بن شالخ بن أرفخشذ، أو نابت بن إسماعيل، أو حتى إسماعيل عليه السلام نفسه..
فالخلاف محتدم في أي من هؤلاء هو الأب الأول الذي يرجع إليه العرب كما سيأتي بيانه عند الكلام على قحطان وعدنان..
لكن يبدو أن المنطقة التي عرفت لدى علماء التاريخ اليوم (بالمثلث) هي منشأ الحضارات ومنطلق الأجناس، وهي موطن الحضارة الأولى، وتمتد من أراضي الرافدين بالعراق في أحد ساقي المثلث وواد النيل في الساق الأخرى وبينهما بلاد الشام في قاعدة المثلث وعلى رأسه اليمن وحضرموت (انظر الشكل رقم - 1-) .