أما من له حق الحكم والتشريع فإنه حق لله تعالى لأنه خالق الخلق وأعلم بمصالحهم مربيهم وأعلم بشؤونهم، وهو الحكيم العليم الرؤوف الرحيم سبحانه له مقاليد السموات والأرض وبيده ملكوت كل شيء وهو على كل شيء قدير، شرع لجميع الخلائق في جميع الأمم كما قال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيه} .
وجاء في النصوص متضافرة متوافرة على أن الحكم كله لله لا حكم لأحد سواه كما في قوله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلا َّلِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} . وذكر القرطبي أنه قرئ {يقض الْحَقَّ} وكقوله: {فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} ومنها قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} قال القرطبي: "أي ليس يتعقب أحد حكمه بنقض ولا تغيير".
ومن ناحية أخرى فإن امتثال الحكم طاعة والطاعة هي عين العبادة والعبادة لا تكون إلا لله وحده وقد جمع الحكم والعبادة معاً لله وحده في قوله: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاه} فكما لا تجوز عبادة غير الله لا يجوز الحكم إلا لله.
وهذا الحق واجب لله تعالى على خلقه بموجب ولايته عليهم، وأيضاً قد جمعا معاً في قوله تعالى: {مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً} .