قلت: والعلماء الربانيون هم أهل الذكر الذين ذكرهم الله عز وجل في كتابه فقال: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} .
وهم أهل الاستنباط الذين ذكرهم فقال: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} النساء ـ 83.
وليس كل متعلم يقدر على الاستنباط حتى يملك أدواته ويحصل ملكته قال ابن القيم رحمه الله:
"الاستنباط استخراج الأمر الذي من شأنه أن يخفى على غير مستنبطه ومنه استنباط الماء من البئر والعين ومن هذا قول علي بن أبي طالب وقد سئل: "هل خصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء دون الناس؟ ". قال: "لا، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهماً يؤتيه الله عبداً في كتابه". ومعلوم أن هذا الفهم قدر زائد على معرفة موضوع اللفظ وعمومه أو خصوصه فإن هذا قدر مشترك بين سائر من يعرف كلام العرب" [16] .
قلت: أما المتعلم على سبيل النجاة الذي لم يبلغ درجة الاستنباط فيتبع العلماء ويتأمل أقوالهم وفتاويهم، ويشتغل بالترجيح بين أدلتهم إن كان من أهل الترجيح وإلا اتبعهم فيما ذهبوا إليه ولا ينتظر حتى يبلغ درجة ما، إذ لا مفر من أن يلتزم المتعلم أحد المذاهب المشهورة المعتد بها التي اعترفت بها الأمة تكون كمنطلق له في دراسته للشرع الحنيف، فيعتني بمعرفة أصول هذا المذهب وفروعه، ويعتني بالأدلة ويحترس من التقليد لأنه شأن العوام، ويحذر من التعصب فإنه من طبائع أهل البدع والأهواء.
ولا ينبغي للمتعلم أن يبقى طليقاً يتتبع الرخص والشواذ ويخبط في الأحكام على غير بصيرة وعلم، فإن ذلك خطر جسيم عليه وعلى الناس إن كان يُفتي لهم..