هذا مع أنه ينبغي أن نعلم أن الألفاظ العربية تختلف معانيها ومدلولاتها فيكون لها في بعض الأحيان معانٍ مشتركة وأوجه مختلفة واستعمالات متعددة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتكلم بجوامع الكلم، يفصل أحياناً ويجمل أحياناً، وكذلك القرآن، وربما سكتا عن مسائل كثيرة وتركا تفصيلها لاجتهاد المجتهدين فيُعلم أن فيها سعة من جهة النظر، وفيها مجال للاجتهاد..
المسألة الرابعة:
ينبغي أن نعلم أنه كانت هناك مدرستان للسلف واتجاهان في طريقة تحمل العلم وتبليغه: الأولى مدرسة المحدّثين، والأخرى مدرسة الفقهاء، قال ابن القيم في التعريف بهاتين المدرستين [7] : العلماء منقسمون إلى قسمين: حفاظ الحديث وجهابذته القادة الذين هم أئمة الأنام وزوامل الإسلام الذين حفظوا على الأمة معاقد الدين ومعاقله وحموا من التكدير والتغيير موارده ومناهله حتى ورد من سبقت له من الله الحسنى تلك المناهل صافية من الأدناس لم تشبها الآراء تغييراً، ووردوا فيها عيناً يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيراً..
وفقهاء الإسلام: من دارت الفتيا على أقوالهم بين الأنام الذين خُصّوا باستنباط الأحكام وعنُوا بضبط قواعد الحلال والحرام فهم في الأرض بمنزلة النجوم في السماء بهم يهتدي الحيران في الظلماء وحاجة الناس إليهم أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب، وطاعتهم أفرض عليهم من طاعة الأمهات والآباء بنص الكتاب قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأََمْرِ مِنْكُمْ} قال ابن عباس: "أولو الأمر هم العلماء". اهـ.