وقوله تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ} مستأنف لبيان ما ترسم به الطريق التي يكون سالكوها من أهل السعادة يوم الحساب، وفي ذكر الكتاب هنا بهذا الوصف تنبيه إلى أن القصة السابقة فيها كفاية لأصحاب العقول ولقريش لو كانوا يعقلون، ومع ذلك يذكر بعدها بعض القصص إمعانا في النصح ومبالغة في الإعذار، وفيه إشارة إلى إعجازهم بالقرآن وتحديهم به، و (كتاب) خبر مبتدأ محذوف أي هذا كتاب، و (أنزلناه) صفته، وقوله: (مبارك) على قراءة الرفع يصح أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف أيضا، أو هو خبر ثان، ولا يجوز أن يكون نعتا ثانيا عند الجمهور؛ لأنهم لا يجيزون أن يتأخر الوصف الصريح على غير الصريح، أما الذين لا يمنعون ذلك فيجوزون أن يعرب وصفا ثانيا، وقرئ (مباركا) بالنصب على أنه حال من مفعول (أنزلنا) وهي حال لازمة؛ لأن البركة لا تفارقه، وقوله: {لِيَدَّبَّرُوا} متعلق بأنزلنا، وضمير الفاعل في (ليدبروا) لأولي الألباب على سبيل التنازع مع إعمال الثاني، أو للمؤمنين والمفسدين، ومن قرأ (لتدبروا) فالخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وعلماء المسلمين.
المعنى الإجمالي:
يا داود إنا نصبناك حاكما لتنفيذ أوامرنا فافصل في قضايا الناس بالعدل، واتبع نظام الشرع، ولا تخضع لميول نفسك وما تهوى، فإن الهوى يحيد بك عن صراط الله المستقيم، ومنهجه القويم، إنّ الذين يحيدون عن صراط الله المستقيم، وينسون يوم النقاش العظيم قد هُيئ لهم عقاب قاس, لا يخطر على البال, ولا يدور في الخيال بسبب تركهم العمل ليوم مناقشة الخلائق على ما قدموا، إنّ يوم الحساب كائن لا محالة؛ لأنه لو لم يكن حساب ولا بعث لكان خلق السموات والأرض وسائر العوالم عبثا ولعبا لأنها تكون حينئذ إنما خلقت للفناء، ولا يخطر هذا إلا ببال الجاحدين الأشقياء.