ولو ترك تقدير العقوبة على السرقة إلى اجتهاد مجتهد، أو نظر حاكم، أو رأي جماعة، لأدى ذلك إلى تناقض لا تؤمن عاقبته، ولا يضمن معه تحقيق العدالة التي يجد الناس فيها أمانا من الظلم والقهر. فكان من رحمة الله – سبحانه وتعالى – أن تكفل هو بتقدير العقوبات على الخطير من الجرائم. وترك للناس تقدير غيرها من العقوبات: مما لا يترتب على تقديرها منهم أذى أو فساد. وفي هذا المعنى يقول ابن القيم [2] : " فلما تفاوتت مراتب الجنايات، ولم يكن بد من تفاوت مراتب العقوبات، وكان من المعلوم أن الناس لو وكلوا إلى عقولهم في معرفة ذلك وترتيب كل عقوبة على ما يناسبها من الجناية جنسا ووصفا وقدرا لذهبت بهم الآراء كل مذهب، وتشعبت بهم الطرق كل مشعب، ولعظم الاختلاف واشتد الخطب. فكفاهم أرحم الراحمين، وأحكم الحاكمين مؤونة ذلك، وأزال عنهم كلفته، وتولى بحكمته وعلمه وقدرته ورحمته تقديره نوعا وقدرا. ورتب على كل جناية ما يناسبها من العقوبة، وما يليق بها من النكال ".
حكمة الشدة في عقوبة السرقة:
من الواضح أن الشارع الحكيم لا حظ في عقوبة السرقة أن تكون شديدة قاسية [3] . إذ أن قطع يد السارق بربع دينار عقوبة شديدة تنخلع لها القلوب. وقد كان هذه الشدة مرتكزا للمغرضين – على مدى الأيام – في نيلهم من الشريعة الإسلامية. ومن حسنت نيته منهم: كان مرددا لأصداء ما يقال عنها، دون نظر سديد في موجبات هذه الشدة. والحكمة فيها واضحة جلية.